﴿وَجِئْتُكُم بِـاَايَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ﴾ ظاهر اللفظ أن يكون قوله :﴿وَجِئْتُكُم بِـاَايَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ للتأسيس لا للتوكيد، لقوله : قد جئتكم بآية من ربكم، وتكون هذه الآية قوله :﴿إِنَّ اللَّهَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ﴾ لأن هذا القول شاهد على صحة رسالته، إذ جميع الرسل كانوا عليه لم يختلفوا فيه، وجعل هذا القول آية وعلامة، لأنه رسول كسائر الرسل، حيث هداه للنظر في أدلة العقل والأستدلال. وكسر : إن، على هذا القول لأن : قولاً، قبلها محذوف، وذلك القول بدل من الآية، فهو معمول للبدل. ومن قرأ بفتح : أن، فعلى جهة البدل من : آية، ولا تكون الجملة من قوله : إن، بالكسر مستأنفة على هذا التقدير من إضمار القول، ويكون قوله :﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ جملة اعتراضية بين البدل والمبدل منه.
وقيل : الآية الأولى في قوله :﴿قَدْ جِئْتُكُم بِـاَايَةٍ﴾ هي معجزة. وفي قوله :﴿وَجِئْتُكُم بِـاَايَةٍ﴾ هي الآية من الإنجيل، فاختلف متعلق المجيء، ويجوز أن يكون ﴿وَجِئْتُكُم بِـاَايَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ كررت على سبيل التوكيد، أي جئتكم بآية بعد أخرى مما ذكرت لكم من : خلق الطير والإبراء والإحياء والإنباء بالخفيات، وبغيره من ولادتي من غير أب، ومن كلامي في المهد، وسائر الآيات. فعلى بهذا من كسر : إن، فعلى الأستئناف، ومن فتح فقيل التقدير، لأن الله ربي وربك فاعبدوه، فيكون متعلقاً بقوله : فاعبدوه، كقوله :﴿لايلَـافِ قُرَيْشٍ﴾ ثم قال :﴿فَلْيَعْبُدُوا ﴾ فقدم : أن، على عاملها. ومن جوز : أن تتقدم : أن، ويتأخر عنها العامل في نحو هذا غير مصيب، لا يجوز : أن زيداً منطلق عرفت، نص على ذلك سيبويه وغيره، ويجوز أن يكون المعنى : وجئتكم بآية على أن الله ربي وربكم، وما بينهما اعتراض. وقال ابن عطية : التقدير : أطيعون لأن الله ربي وربكم. إنتهى. وليس قوله بظاهر.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٥٤
والأمر بالتقوى والطاعة تحذير ودعاء، والمعنى أنه : تظاهر بالحجج والخوارق في صدقه، فاتقوا الله في خلافي، وأطيعون في أمري ونهيي. وقيل : اتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه في كتابه الذي أنزله على موسى، وأطيعون فيما دعوتكم إليه من تصديقي فيما أرسلني به إليكم.
وتكرار : ربي وربكم، أبلغ في التزام العبودية من قوله : ربنا، وأدل على التبري من الربوبية.
﴿هَـاذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾ أي : طريق واضح لمن يسلكه لا اعوجاج فيه، والإشارة بهذا إلى قوله :﴿إِنَّ اللَّهَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ﴾ أي إفراد الله وحده بالعبادة هو الطريق المستقيم، ولفظ العبادة يجمع الإيمان والطاعات.
وفي هذه الآيات من ضروب الفصاحة والبديع : إسناد الفعل للآمر به لا لفاعله، في قوله : إن الله يبشرك، اذ هم المشافهون بالبشارة، والله الآمر بها. ومثله : نادى السلطان في البلد بكذا، وإطلاق اسم السبب على المسبب في قوله : بكلمة منه، على
٤٦٩
الخلاف الذي في تفسير : كلمة.
والاحتراس : في قوله : وكهلاً، من ما جرت به العادة أن من تكلم في حال الطفولة لا يعيش.
والكناية : في قوله : ولم يمسسني بشر، كنت بالمسّ عن الوطء، كما كنى عنه : بالحرث، واللباس، والمباشرة.
والسؤال والجواب في : قالت الملائكة وفي أنى يكون ؟ والتكرار : في : جئتكم بآية. وفي : أنى أخلق لكم. و، في : الطير، وفي : بإذن الله، وفي : ربي وربكم، وفي : ما، في قوله : بما تأكلون وما.
والتعبير عن الجمع بالمفرد في : الآية، وفي : الأكمة والأبرص، وفي : إذا قضى أمراً.
والطباق في : وأحيي الموتى، وفي : لأحل وحرم والالتفات في : ونعلمه فيمن قرأ بالنون والتفسير بعد الإبهام في : من قال : الكتاب مبهم غير معين، والتوراة والإنجيل تفسير له والحذف في عدة مواضع.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٥٤
الإحساس : الإدراك ببعض الحواس الخمس وهي : السمع والبصر والشم والذوق واللمس. يقال : أحسست الشيء، وحسست به. وتبدل سينه ياء فيقال : حسيت به، أو تحذف أولى سنييه في أحسست فيقول : أحست. قال :
سوى ان العتاق من المطاياأحسن به فهن إليه شوس
وقال سيبويه : وما شذ من المضاعف، يعني في الحذف، فشبيه بباب : أقمت، وذلك قولهم : أحست وأحسن يريدون : أحسست، وأحسسن، وكذلك يفعل بكل بناء تبنى لام الفعل فيه على السكون ولا تصل إليه الحركة، فإذا قلت لم أحس لم تحذف.
الحواري : صفوة الرجل وخاصته. ومنه قيل : الحضريات الحواريات لخلوص ألوانهنّ ونظافتهنّ قال أبو جَلْذة اليشكري :
فقل للحواريات تبكين غيرناولا تبكنا إلا الكلابُ النوابح
ومثله في الوزن : الحوالي، للكثير الحيل، وليست الياء فيهما للنسب، وهو مشتق من : الحور، وهو البياض. حورت الثوب بيضته.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٧٠


الصفحة التالية
Icon