المكر : الخداع والخبث وأصله الستر، يقال : مكر الليل إذا أظلم واشتقاقه من المكر، وهو شجر ملتف، فكأن الممكور به يلتف به المكر، ويشتمل عليه، ويقال : امرأة ممكورة إذا كانت ملتفة الخلق. والمكر : ضرب من النبات.
تعالى : تفاعل من العلو، وهو فعل، لاتصال الضمائر المرفوعة به، ومعناه : استدعاء المدعوّ من مكانه إلى مكان داعيه، وهي كلمة قصد بها أولاً تحسين الأدب مع المدعو، ثم اطردت حتى يقولها الإنسان لعدّوه ولبهيمته ونحو ذلك.
الابتهال : قوله بهلة الله على الكاذب، والبهلة بالفتح والضم : اللعنة، ويقال بهله الله : لعنه وأبعده، من قولك أبهله إذا أهمله، وناقة باهلة لا ضرار عليها، وأصل الابتهال هذا، ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه، وإن لم يكن التعاناً. وقال لبيد :
من قروم سادة من قومهمنظر الدهر إليهم فابتهل
٤٧٠
﴿فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ﴾ تقدّم ترتيب هذه الجملة على ما قبلها من الكلام، وهل الحذف بعد قوله ﴿صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ أو بعد قوله :﴿وَرَسُولا إِلَى بَنِى إِسْرَا ءِيلَ﴾ وذلك عند تفسير ﴿وَرَسُولا إِلَى بَنِى إِسْرَا ءِيلَ﴾.
قال مقاتل : أحس، هنا رأى من رؤية العين أو القلب وقال الفراء : أحسّ وجد وقال أبو عبيدة : عرف. وقيل : علم وقيل : خاف.
والكفر : هنا جحود نبوّته وإنكار معجزاته، و: منهم، متعلق بأحس قيل : ويجوز أن يكون حالاً من الكفر.
﴿قَالَ مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللَّهِ﴾ لما أرادوا قتله استنصر عليهم، قال مجاهد وقال غيره : إنه استنصر لما كفروا به وأخرجوه من قريتهم وقيل : استنصرهم لإقامة الحق.
قال المغربي : إنما قال عيسى :﴿مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللَّهِ﴾ بعد رفعه إلى السماء وعوده إلى الأرض، وجمع الحواريين الأثني عشر، وبثهم في الآفاق يدعون إلى الحق، وما قاله من أن ذلك القول كان بعد ما ذكر بعيد جداً، لم يذكره غيره بل المنقول. والظاهر أنه قال ذلك قبل رفعه إلى السماء.
قال السدّي : من أعواني مع الله وقال الحسن : من أنصاري في السبيل إلى الله وقال أبو علي الفارسي معنى : إلى الله : لله، كقوله :﴿يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ﴾ أي للحق وقيل : من ينصرني إلى نصر الله. وقيل : من ينقطع معي إلى الله، قاله ابن بحر وقيل : من ينصرني إلى أن أبين أمر الله وقال أبو عبيدة : من أعواني في ذات الله ؟ وقال ابن عطية : من أنصاري إلى الله. عبارة عن حال عيسى في طلبه من يقوم بالدين، ويؤمن بالشرع ويحميه، كما كان محمد صلى الله عليه وسلّم يعرض نفسه على القبائل، ويتعرض للأحياء في المواسم. انتهى وقال الزمخشري وإلى الله من صلة أنصاري ؟ مضمناً معنى الإضافة، كأنه قيل : من الذين يضيفون أنفسهم إلى الله ينصرونني كما ينصرني ؟ أو يتعلق بمحذوف حالاً من الياء، أي : من أنصاري ذاهباً إلى الله ملتجئاً إليه ؟ انتهى.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٧٠
﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ﴾ أي أصفياء عيسى. قاله ابن عباس. أو : خواصه، قاله الفراء. أو : البيض الثياب، رواه ابن جبير عن ابن عباس. أو : القصارون، سموا بذلك لأنهم يجودون الثياب، أي يبيضونها، قاله الضحاك، ومقاتل. أو : المجاهدون، أو : الصيادون، قال لهم عيسى على نبينا وعليه السلام : ألا تمشون معي تصطادون الناس لله ؟ فأجابوا. قال مصعب : كانوا اثني عشر رجلاً يسيحون معه، يخرج لهم ما احتاجوا إليه من الأرض، فقالوا : من أفضل منا ؟ نأكل من أين شئنا. فقال عيسى : من يعمل بيده ؟ ويأكل من كسبه ؟ فصاروا قصَّارين وحكى ابن الأنباري : الحواريون : الملوك وقال الضحاك، وأبو أرطاة : الغسالون وقال ابن المبارك : الحوار النور، ونسبوا إليه لما كان في وجوههم من سيما العبادة ونورها وقال تاج القراء : الحواري : الصديق.
قيل : لما أراهم الآيات وضع لهم ألواناً شتى من حب واحد آمنوا به واتبعوه وقرأ الجمهور : الحواريون، بتشديد الياء. وقرأ إبراهيم النخعي، وأبو بكر الثقفي، بتخفيف الياء في جميع القرآن، والعرب تستثقل ضمة الياء المكسور ما قبلها في مثل : القاضيون، فتنقل الضمة إلى ما قبلها وتحذف الياء لالتقائها ساكنة مع الساكن بعدها، فكان القياس على هذا أن يقال : الحوارون، لكن أقرت الضمة ولم تنقل دلالة على أن التشديد مراد، إذ التشديد يحتمل الضمة كما ذهب إليه الأخفش في : يستهزئون، إذ أبدل الهمزة ياءً، وحملت الضمة تذكراً لحال الهمزة المراد فيها.
﴿نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ﴾ أي : أنصار دينه وشرعه. والداعي إليه.
﴿بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * رَبَّنَآ﴾ لما ذكروا أنهم أنصار الله ذكروا مستند لإيمانهم، لأن انقياد الجوارح تابعة لانقياد القلب وتصديقه، والرسل تشهد يوم القيامة لقومهم، وعليهم. ودل ذلك على أن عيسى عليه السلام كان على دين الإسلام، برأه الله من سائر الأديان كما برأ إبراهيم بقوله
٤٧١