و : متوفيك، هي وفاة يوم رفعه الله في منامه، قاله الربيع من قوله :﴿وَهُوَ الَّذِى يَتَوَفَّـاكُم بِالَّيْلِ﴾ أي : ورافعك وأنت نائم، حتى لا يلحقك خوف، وتستيقظ وأنت في السماء آمن مقرب. أو : وفاة موت، قاله ابن عباس. وقال وهب : مات ثلاث ساعات ورفعه فيها ثم أحياه الله بعد ذلك في السماء، وفي بعض الكتب : سبع ساعات.
وقال الفراء : هي وفاة موت، ولكن المعنى : متوفيك في آخر أمرك عند نزولك وقتلك الدجال، وفي الكلام تقديم وتأخير.
وقال الزمخشري : مستوفي أجلك، ومعناه أي : عاصمك من أن يقتلك الكفار، ومؤخرك إلى أجل كتبته لك، ومميتك حتف أنفك لا قتلا بأيديهم. وقيل : متوفيك : قابضك من الأرض من غير موت، قاله الحسن، والضحاك، وابن زيد، وابن جريج، ومطر الوراق، ومحمد بن جعفر ابن الزبير، من : توفيت مالي على فلان إذا استوفيته.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٧٠
وقيل : أجعلك كالمتوفى، لأنه بالرفع يشبهه وقيل : آخذك وافياً بروحك وبدنك وقيل : متوفيك : متقبل عملك، ويضعف هذا من جهة اللفظ وقال أبو بكر الواسطي : متوفيك عن شهواتك.
قال ابن عطية : وأجمعت الأمة على ما تضمنه الحديث المتواتر من :"أن عيسى في السماء حي، وأنه ينزل في آخر الزمان، فيقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويقتل الدجال، ويفيض العدل، وتظهر به الملة، ملة محمد صلى الله عليه وسلّم، ويحج البيت، ويعتمر، ويبقى في الأرض أربعاً وعشرين سنة" وقيل : أربعين سنة. انتهى.
﴿وَرَافِعُكَ إِلَىَّ﴾ الرفع نقل من سفل إلى علو ؛ و: إليّ، إضافة تشريف. والمعنى : إلى سمائي ومقر ملائكتي. وقد علم أن الباري تعالى ليس بمتحيز في جهة، وقد تعلق بهذا المشبهة في ثبوت المكان له تعالى وقيل : إلى مكان لا يملك الحكم فيه في الحقيقة ولا في الظاهر إلاَّ أنا، بخلاف الأرض، فإنه قد يتولى المخلوقون فيها الأحكام ظاهراً وقيل : إلى محل ثوابك.
قال ابن عباس : رفعه إلى السماء، سماء الدنيا، فهو فيها يسبح مع الملائكة، ثم يهبطه الله عند ظهور الدجال على صخرة بيت المقدس قيل : كان عيسى على طور سيناء، وهبت ريح فهرول عيسى فرفعه الله في هرولته، وعليه مدرعة من شعر.
وقال الزجاج : كان عيسى في بيت له كوة، فدخل رجل ليقتله، فرفع عيسى من البيت وخرج الرجل في شبه عيسى يخبرهم أن عيسى ليس في البيت، فقتلوه.
وروي أبو بكر بن أبي شيبة، عن ابن عباس قال : رفع الله عيسى من روزنة كانت في البيت.
﴿وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ جعل الذين كفروا دنساً ونجساً فطهره منهم، لأن صحبة الأشرار وخلطة الفجار تتنزل منزلة الدنس في الثوب، والمعنى : أنه تعالى يخلصه منهم، فكنى عن إخراجه منهم وتخليصه بالتطهير، وأتى بلفظ الظاهر لا بالضمير، وهو : الذين كفروا، إشارة إلى علة الدنس والنجس وهو الكفر، كما قال :﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ وكما جاء في الحديث :"المؤمن لا ينجس" فجعله علة تطهيره الإيمان.
وقيل : مطهرك من أذى الكفرة. وقيل : من الكفر والفواحش. وقيل : مما قالوه فيك وفي أمك. وقيل : ومطهرك أي مطهر بك وجه الناس من نجاسة الكفر والعصيان.
وقال الراغب : متوفي : آخذك عن هواك، ورافعك إلي عن شهواتك، ولم يكن ذلك رفعاً مكانياً وإنما هو رفعة المحل، وإن كان قدر رفع إلى السماء، وتطهيره من الكافرين إخراجه من بينهم. وقيل : تخليصه من قتلهم، لأن ذلك نجس طهره الله منه. قال أبو مسلم : التخليص والتطهير واحد، إلاَّ أن لفظ التطهير
٤٧٣
فيه رفعة للمخاطب، كما أن الشهود والحضور واحد، وفي الشهود رفعة. ولهذا ذكره الله في المؤمنيٌّ، وذكر الحضور والإحضار في الكافرين.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٧٠
﴿وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ﴾ الكاف : ضمير عيسى كالكاف السابقة. وقيل : هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلّم، وهو من تلوين الخطاب. إنتهى هذا القول، ولا يظهر. ومعنى اتبعوك : أي في الدين والشريعة، وهم المسلمون. لأنهم متبعوه في أصل الإسلام وإن اختلفت الشرائع.
﴿فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ معلونهم بالحجة، وفي أكثر بالأحوال بها وبالسيف، والذين كفروا هم الذين كذبوه وكذبوا عليه من اليهود والنصارى، قاله الزمخشري، بتقديم وتأخير في كلامه.
فالفوقية هنا بالحجة والبرهان، قاله الحسن. أو : بالعز والمنعة، قاله ابن زيد. فهم فوق اليهود، فلا تكون لهم مملكة كما للنصارى. فالآية، على قوله، مخبرة عن إذلال اليهود وعقوبتهم بأن النصارى فوقهم في جميع أقطار الأرض إلى يوم القيامة، فخصص ابن زيد المتبعين والكافرين، وجعله حكماً دنيوياً لافضلية فيه للمتبعين الكفار، بل كونهم فوق اليهود عقوبة لليهود.
وقال الجمهور : بعموم المتبعين، فتدخل في ذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلّم، نص عليه قتادة، وبعموم الكافرين.