﴿فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمُا بِالْمُفْسِدِينَ﴾ قال مقاتل : فإن تولوا عن الملاعنة. وقال الزجاج : عن البيان الذي أبانه رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقال أبو سليمان الدمشقي : عن الإقرار بالوحدانية والتنزيه عن الصاحبة والولد وقال المرسيّ : عن هذا الذكر وقيل : عن الإيمان.
و : تولوا، ماضٍ أو مضارع حذفت تاؤه، وجواب الشرط في الظاهر الجملة من قوله :﴿فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمُا بِالْمُفْسِدِينَ﴾، والمعنى : ما يترتب على علمه بالمفسدين من معاقبته لهم، فعبر عن العقاب بالعلم الذي ينشأ عنه عقابهم، ونبه على العلة التي توجب العقاب، وهي الإفساد، ولذلك أتى بالاسم الظاهر دون الضمير، وأتى به جمعاً ليدل على العموم الشامل لهؤلاء الذين تولوا ولغيرهم، ولكونه رأس آية، ودل على أن توليهم إفساد أي إفساد.
﴿قُلْ يَـا أَهْلَ الْكِتَـابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَآءا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ نزلت في وفد نجران، قاله الحسن، والسدي، ومحمد بن جعفر بن الزبير قال ابن زيد : لما أبى أهل نجران ما دعوا إليه من الملاعنة، دعوا إلى أيسر من ذلك، وهي الكلمة السواء وقال ابن عباس : نزلت في القسيسين والرهبان، بعث بها النبي صلى الله عليه وسلّم إلى جعفر وأصحابه بالحبشة، فقرأها جعفر، والنجاشي جالس وأشراف الحبشة وقال قتادة، والربيع، وابن جريج : في يهود المدينة، وهم الذين حاجوا في إبراهيم. وقيل : نزلت في اليهود والنصارى، قالوا : يا محمد ما تريد إلاَّ أن نقول فيك ما قالت اليهود في عزير ؟
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٨١
ولفظ : يا أهل الكتاب، يعم كل من أوتي كتاباً، ولذلك دعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم اليهود بالآية، والأقرب حمله على النصارى لأن الدلالة وردت عليهم، والمباهلة معهم، وخاطبهم : بيا أهل الكتاب، هزاً لهم في استماع ما يلقى إليهم، وتنبيهاً على أن من كان أهل كتاب من الله ينبغي أن يتبع كتاب الله، ولما قطعهم بالدلال الواضحة فلم يذعنوا، ودعاهم إلى المباهلة فامتنعوا، عدل إلى نوع من التلطف، وهو : دعاؤهم إلى كلمة فيها إنصاف بينهم.
وقرأ أبو السمال : كلمة، كضربة، و: كلمة، كسدرة، وتقدّم هذا عند قوله :﴿مُصَدِّقَا بِكَلِمَةٍ﴾ والكلمة هي ما فسرت به بعد. وقال أبو العالية :﴿لا إله إِلا اللَّهُ﴾، وهذا تفسير المعنى.
وعبر بالكلمة عن الكلمات، لأن الكلمة قد تطلقها العرب على الكلام، وإلى هذا ذهب الزجاج، إما لوضع المفرد
٤٨٢
موضع الجمع، كما قال :
بها جيفُ الحسرى، فأما عظامهافبيض، وأما جلدها فصليب
وإما لكون الكلمات مرتبطة بعضها ببعض، فصارت في قوة الكلمة الواحدة إذا اختلّ جزء منها اختلت الكلمة، لأن كلمة التوحيد : لا إله إلا الله، هي كلمات لا تتم النسبة المقصودة فيها من حصر الإلهية في الله إلا بمجموعها.
وقرأ الجمهور : سواء، بالجر على الصفة. وقرأ الحسن : سواء، بالنصب، وخرجه الحوفي والزمخشري على أنه مصدر. قال الزمخشري : بمعنى استوت استواء، فيكون : سواء، بمعنى استواء، ويجوز أن ينتصب على الحال من : كلمة، وإن كان نكرة ذو الحال، وقد أجاز ذلك سيبويه وقاسه، والحال والصفة متلاقيان من حيث المعنى، والمصدر يحتاج إلى إضمار عامل، وإلى تأويل : سواء، بمعنى : استواء، والأشهر استعمال : سواء، بمعنى اسم الفاعل، أي : مستو، وقد تقدّم الكلام على سواء في أول سورة البقرة، وقال قتادة، والربيع، والزجاج : هنا يعني بالسواء العدل، وهو من : استوى الشيء، وقال زهير :
أروني خطة لا ضيم فيهايسوي بيننا فيها السواء