وروي حديث طويل في اجتماع جعفر وأصحابه، وعمرو بن العاص، وأصحابه. بالنجاشي، وفيه : أن النجاشي قال : لا دهورة اليوم على حزب إبراهيم. أي : لا خوف ولا تبعة، فقال عمرو : من حزب إبراهيم ؟ فقال النجاشي : هؤلاء الرهط وصاحبهم، يعني : جعفراً
٤٨٧
وأصحابه. ورسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال :"لكل نبي ولاة من النبيين، وإن وليي منهم أبي، وخليل ربي إبراهيم". ثم قرأ هذه الآية. ومعنى : أولى الناس : أخصهم به وأقربهم منه من الولي، وهو القرب. والذين اتبعوه يشمل كل من اتبعه في زمانه وغير زمانه، فيدخل فيه متبعوه في زمان الفترات. وعنى بالأتباع أتباعه في شريعته.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٨١
وقال عليّ بن عيسى : أحقهم بنصرته أي : بالمعونة وبالحجة، فمن تبعه في زمانه نصره بمعونته على مخالفته. ومحمد والمؤمنون نصروه بالحجة له أنه كان محقاً سالماً من المطاعن، وهذا النبي : يعني به محمداً صلى الله عليه وسلّم، وخص بالذكر من سائر من اتبعه لتخصيصه بالشرف والفضيلة، كقوله ﴿وَجِبْرِيلَ وَمِيكَـالَ﴾.
﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ قيل : آمنوا من أمّة محمد، وخصوا أيضاً بالذكر تشريفاً لهم، إذ هم أفضل الأتباع للرسل، كما أن رسولهم أفضل الرسل. وقيل : المؤمنون في كل زمان وعطف ﴿وَهَـاذَا النَّبِىُّ﴾ على خبر إن، ومن أعرب ﴿وَهَـاذَا النَّبِىُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ مبتدأ والخبر : هم المتبعون له، فقد تكلف إضماراً لا ضرورة تدعو إليه.
وقرىء : وهذا النبيّ، بالنصب عطفاً على : الهاء، في اتبعوه، فيكون متبعاً لا متبعاً : أي : أحق الناس بإبراهيم من اتبعه، ومحمداً صلى الله عليهما وسلم، ويكون : والذين آمنوا، عطفاً على خبر : إن، فهو في موضع رفع.
وقرىء : وهذا النبي، بالجر، ووجه على أنه عطف على : إبراهيم، أي : إن أولى الناس بإبراهيم وبهذا النبي للذين اتبعوا إبراهيم. و: النبي، قالوا : بدل من هذا، أو : نعت، أو : عطف بيان. ونبه على الوصف الذي يكون به الله ولياً لعباده، وهو : الإيمان. فقال : وليّ المؤمنين، ولم يقل : وليهم. وهذا وعد لهم بالنصر في الدنيا، وبالفوز في الآخرة. وهذا كما قال تعالى :﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾.
قيل : وجمعت هذه الآيات من البلاغة : التنبيه والإشارة والجمع بين حرفي التأكيد، وبالفصل في قوله :﴿إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ﴾ وفي :﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ والإختصاص في :﴿عَلِيمُا بِالْمُفْسِدِينَ﴾ وفي :﴿وَلِىُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ والتجوز بإطلاق اسم الواحد على الجمع في :﴿إِلَى كَلِمَةٍ سَوَآء﴾ وباطلاق اسم الجنس على نوعه في :﴿مِّنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ﴾ إذا فسر باليهود. والتكرار في : إلا الله، و: إنّ الله، وفي : يا أهل الكتاب تعالوا، يا أهل الكتاب لم. وفي : إبراهيم، و: ما كان إبراهيم، و: إن أولى الناس بإبراهيم. والتشبيه في : أرباباً، لما أطاعوهم في التحليل والتحريم، وأذعنوا إليهم أطلقب عليه : أرباباً تشبيهاً بالرب المستحق للعبادة والربوبية، والإجمال في الخطاب في : يا أهل الكتاب، تعالوا يا أهل الكتاب، لم تحاجون، كقول إبراهيم : يا أبت. وكقول الشاعر :
مهلاً بني عمنا مهلاً موالينالا تنبشوا بيننا ما كان مدفوناً
وقول الآخر :
بني عمنا لا تنبشوا الشر بيننافكم من رماد صار منه لهيب والتجنيس المماثل في : أولى وولي.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٨١
﴿وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ﴾ أجمع المفسرون على أنها نزلت في : معاذ، وحذيفة، وعمار. دعاهم يهود : بني النضير، وقريظة، وقينقاع، إلى دينهم. وقيل : دعاهم جماعة من أهل نجران ومن يهود وقال ابن عباس : هم اليهود، قالوا لمعاذ وعمار تركتما دينكما واتبعتما دين محمد، فنزلت. وقيل : عيرتهم اليهود بوقعة أحد.
وقال أبو مسلم الأصبهاني : ودّ بمعنى : تمنى، فتستعمل معها : لو، و: أن، وربما جمع بينهما، فيقال : وددت أن لو فعل، ومصدره : الودادة، والأسم منه : وُدّ، وقد يتداخلان في المصدر والأسم. قال الراغب : إذا كان : ودّ، بمعنى أحبّ لا يجوز إدخال : لوغ فيه أبداً. وقال عليّ بن عيسى : إذا كان : ودّ، بمعنى : تمنى، صلح للماضي والحال والمستقبل، وإذا كان بمعنى المحبة والإرادة لم يصلح للماضي لأن الإرادة كاستدعاء الفعل. وإذا كان للحال والمستقبل جاز : أن ولو، وإذا كان للماضي لم يجز : أن، لأن : أن، للمستقبل. وما قال فيه نظر، ألا ترى أن : أن، توصل بالفعل الماضي نحو : سرّني أن قمت ؟.
﴿مِّنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ﴾
٤٨٨


الصفحة التالية
Icon