﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِا إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِا إِلَيْكَ إِلا مَا﴾ الجمهور على أن أهل الكتاب هم اليهود والنصارى أخبر الله تعالى بذم الخونة منهم، فظاهره أن في اليهود والنصارى من يؤتمن فيفي ومن يؤتمن فيخون. وقيل : أهل الكتاب عنى به أهل القرآن، قاله ابن جريج. وهذا
٤٩٨
ضعيف حداً لما يأتي بعده من قولهم :﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِى الامِّيِّـانَ سَبِيلٌ﴾ وقيل : المراد بأهل الكتاب : اليهود، لأن هذا القول ﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِى الامِّيِّـانَ سَبِيلٌ﴾ لم يقله ولا يعتقده إلاَّ اليهود.
وقيل :﴿مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ﴾ هم النصارى لغلبة الأمانة عليهم. و: ﴿مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ﴾ هم اليهدو لغلبة الخيانة عليهم. وعين منهم كعب بن الأشرف وأصحابه. وقيل :﴿مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ﴾ هم من أسلم من أهل الكتاب. و: ﴿مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ﴾ من لم يسلم منهم.
وروي أنه بايع بعض العرب بعض اليهود وأودعوهم فخانوا من أسلم، وقالوا : قد خرجتم عن دينكم الذي عليه بايعناكم، وفي كتابنا : لا حرمة لأموالكم، فكذبهم الله تعالى. قيل : وهذا سبب نزول هذه الآية.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٩٧
وعن ابن عباس :﴿مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ﴾ هو عبد الله بن سلام، استودعه رجل من قريش ألفاً ومائتي أوقية ذهباً، فأدّاه إليه. و: ﴿مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ﴾ فنحاص بن عازوراء، استودعه رجل من قريش ديناراً فجحده وخانه. انتهى. ولا ينحصر الشرط في ذينك المعينين، بل كل منهما فرد ممن يندرج تحت : من. ألا ترى كيف جمع في قوله :﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا﴾ قالوا والمخاطب بقوله : تأمنه، هو النبي صلى الله عليه وسلّم بلا خلاف، ويحتمل أن يكون السامع من أهل الإسلام، وبيّنه قولهم :﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِى الامِّيِّـانَ سَبِيلٌ﴾ فجمع الأمّيين وهم اتباع النبي الأمي.
وقرأ أبي بن كعب : تأمنه، في الحرفين، و: تئمنا، في يوسف. وقرأ ابن مسعود، والأشهب العقيلي، وابن وثاب : تيمنه، بتاء مكسورة وياء ساكنة بعدها، قال الداني : وهي لغة تميم. وأما إبدال الهمزة ياء في : تئمنه، فلكسرة ما قبلها كما أبدلوا في بئر.
وقد ذكرنا الكلام على حروف المضارعة من : ي فعل، ومن : ما أوله همزة وصل عند الكلام على قوله ﴿نَسْتَعِينُ﴾ فأغنى عن إعادته.
وقال : ابن عطية، حين ذكر قراءة أبي : وما أراها إلاَّ لغة : قرشية، وهي كسر نون الجماعة : كنستعين، وألف المتكلم، كقول ابن عمر : لا إخاله، وتاء الخاطب كهذه الآية، ولا يكسرون الياء في الغائب، وبها قرأ أبي في : تئمنه. انتهى. ولم يبين ما يكسر فيه حروف المضارعة بقانون كلي، وما ظنه من أنها لغة قرشية ليس كما ظنّ. وقد بينا ذلك في ﴿نَسْتَعِينُ﴾ وتقدّم تفسير : القنطار، في قوله :﴿وَالْقَنَـاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ﴾.
وقرأ الجمهور : يؤده، بكسر الهاء ووصلها بياء. وقرأ قالون باختلاس الحركة، وقرأ أبو عمرو، وأبو بكر، وحمزة، والأعمش بالسكون. قال أبو إسحاق : وهذا الإسكان الذي روي عن هؤلاء غلط بيِّن، لأن الهاء لا ينبغي أن تجزم، وإذا لم تجزم فلا يجوز أن تسكن في الوصل. وأما أبو عمرو فأراه كان يختلس الكسرة، فغلطب عليه كما غلط عليه في : بارئكم، وقد حكى عنه سيبويه، وهو ضابط لمثل هذا، أنه كان يكسر كسراً خفيفاً. انتهى كلام ابن إسحاق. وما ذهب إليه أبو إسحاق من أن الإسكان غلط ليس بشيء، إذ هي قراءة في السبعة، وهي متواترة، وكفى أنها منقولة من إمام البصريين أبي عمرو بن العلاء. فإنه عربي صريح، وسامع لغة، وإمام في النحو، ولم يكن ليذهب عنه جواز مثل هذا.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٩٧
وقد أجاز ذلك الفراء وهو إمام في النحو واللغة. وحكى ذلك لغة لبعض العرب تجزم في الوصل والقطع.
وقد روى الكسائي أن لغة عقيل وكلاب : أنهم يختلسون الحركة في هذه الهاء إذا كانت بعد متحرك، وأنهم يسكنون أيضاً. قال الكسائي : سمعت أعراب عقيل وكلاب يقولون :﴿لِرَبِّهِا لَكَنُودٌ﴾ بالجزم، و: لربه لكنود، بغير تمام وله مال وغير عقيل وكلاب لا يوجد في كلامهم اختلاس ولا سكون في : له، وشبهه إلاَّ في ضرورة نحو قوله.
له زجل كأنه صوت حاد
وقال :
إلا لأن عيونه سيل واديها
ونص بعض أصحابنا على أن حركة هذه الهاء بعد الفعل الذاهب منه حرف لوقف أو جزم يجوز فيها الإشباع، ويجوز الاختلاس، ويجوز السكون. وأبو إسحاق الزجاج، يقال عنه : إنه لم يكن إماماً في اللغة، ولذلك أنكد على ثعلب في كتابه :(الفصيح) مواضع زعم أن العرب لا
٤٩٩


الصفحة التالية
Icon