تقولها، وردّ الناس على أبي إسحاق في إنكاره، ونقلوها من لغة العرب. وممن ردّ عليه : أبو منصور الجواليقي، وكان ثعلب إماماً في اللغة وإماماً في النحو على مذهب الكوفيين، ونقلوا أيضاً قراءتين : إحداهما ضم الهاء ووصلها بواو، وهي قراءة الزهري، والأخرى : ضمها دون وصل، وبها قرأ سلام.
والباء في : بقنطار، وفي : بدينارد قيل : للإلصاق. وقيل : بمعنى على، إذا الأصل أن تتعدى بعلى، كما قال مالك :﴿لا تَأْمَانَّا عَلَى يُوسُفَ﴾ وقال :﴿هَلْ ءَامَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ﴾ وقيل : بمعنى في أي : في حفظ قنطار، وفي حفظ دينار. والذي يظهر أن القنطار والدينار مثالان للكثير والقليل، فيدخل أكثر من القنطار وأقل. وفي الدينار أقل منه.
قال ابن عطية : ويحتمل أن يريد طبقه يعني في الدينار لا يجوز إلاَّ في دينار فما زاد، ولم يعن بذكر الخائنين في : أقل، إذ هم طغام حثالة. انتهى.
ومعنى :﴿إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ﴾ قال قتادة، ومجاهد، والزجاج، والفراء، وابن قتيبة : متقاضياً بأنواع التقاضي من : الخفر، والمرافعة إلى الحكام، فليس المراد هيئة القيام، إنما هو من قيام المرء على أشغاله : أي اجتهاده فيها.
وقال السدي وغيره : قائماً على رأسه وهي الهيئة المعروفة وذلك نهاية الخفر، لأن معنى ذلك الخفر، لأن معنى ذلك أنه في صدد شغل آخر يريد أن يستقبله. وذهب إلى هذا التأويل جماعة من الفقهاء، وانتزعوا من الآية جواز السجن، لأن الذي يقوم عليه غريمه هو يمنعه من تصرفاته في غير القضاء، ولا فرق بين المنع من التصرفات وبين السجن. وقيل : قائماً بوجهك فيها بك ويستحي منك. وقيل : معنى : دمت عليه قائماً، أي : مستعلياً، فإن استلان جانبك لم يؤدّ إليك أمانتك.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٩٧
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، ويحيى بن وثاب، والأعمش، وابن أبي ليلى، والفياض بن غزوان، وطلحة، وغيرهم : دمت بكسر الدال، وتقدم أنها لغة تميم وتقدم الخلاف في مضارعه.
و : ما، في : ما دمت، مصدرية ظرفية. و: دمت، ناقصة فخبرها : قائماً، وأجاز أبو البقاء أن تكون : ما، مصدرية فقط لا ظرفية، فتتقدر بمصدر، وذلك المصدر ينتصب على الحال، فيكون ذلك استثناءً من الأحوال لا من الأزمان. قال : والتقدير : إلاَّ في حال ملازمتك له. فعلى هذا يكون : قائماً، منصوباً على الحال، لا خبراً لدام، لأن شرط نقص : دام، أن يكون صلة لما المصدرية الظرفية.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِى الامِّيِّـانَ سَبِيلٌ﴾ روي أن بني إسرائيل كانوا يعتقدون استحلال أموال. العرب لكونهم أهل أوثان، فلما جاء الإسلام، وأسلم من أسلم من العرب، بقي اليهود فيهم على ذلك المعتقد، فنزلت الآية مانعة من ذلك. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"كل شيء من أمر الجاهلية فهو تحت قدمي، إلاَّ الأمانة فإنها مؤادّة إلى البر والفاجر. "والإشارة بذلك إلى ترك الأداء الذي دل عليه لا يؤدّه، أي : كونهم لا يؤدّون الأمانة كان بسبب قولهم.
والضمير في : بأنهم، قيل : عائد على اليهود وقيل : عائد على لفيف بني إسرائيل. والأظهر أنه عائد على : من، في قوله :﴿مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِا إِلَيْكَ﴾ وجمع حملاً على المعنى، أي : ترك الأداء في الدّينا فما دونه وفما فوقه كائن بسبب قول المانع للأداء الخائن :﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِى الامِّيِّـانَ﴾ وهم الذين ليسوا من أهل الكتاب، وهم العرب. وتقدّم كونهم سموا أمّيين في سورة البقرة.
والسبيل، قيل : العتاب والذم وقيل : الحجة على، نحو قول حميد بن ثور :
وهل أنا إن عللت نفسي بسرحةمن السرح موجود عليّ طريق
وقوله : فأولئك ما عليهم من سبيل من هذا المعنى، وهو كثير في القرآن وكلام العرب وقيل : السبيل هنا الفعل المؤدّي إلى الإثم. والمعنى : ليس عليهم طريق فيما يستحلون من أموال المؤمنين الأمّيين.
قال : وسبب استباحتهم لأموال الأمّيين أنهم عندهم مشركون، وهم بعد إسلامهم باقون على ما كانوا عليه، وذلك لتكذيب اليهود للقرآن وللنبي صلى الله عليه وسلّم وقيل : لأنهم انتقض العهد الذي كان
٥٠٠
بينهم بسبب إسلامهم، فصاروا كالمحاربين، فاستحلوا أموالهم وقيل : لأن ذلك مباح في كتابهم أخذ مال من خالفهم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٩٧