﴿وَمَا لَهُم مِّن نَّـاصِرِينَ﴾ تقدم تفسير مثل هذه الجملة، وهذا إخبار ثالث لما بيَّن أنه لا خلاص له من العذاب ببذل المال، بيَّن أيضاً أنه لا خلاص له منه بسبب النصرة، واندرج فيها النصرة بالمغالبة، والنصرة بالشفاعة.
وتضمنت هذه الآية من أصناف البديع : الطباق : في قوله : طوعا وكرها. وفي : كفروا بعد إيمانهم في موضعين. والتكرار : في : يهدي ولا يهدي. وفي : كفروا بعد إيمانهم. والتجنيس المغاير : في كفروا وكفروا. والتأكيد : بلفظ : هم، في
٥٢٢
قوله : وأولئك هم الضالون. قيل : والتشبيه في : ثم ازدادوا كفراً، شبه تماديهم على كفرهم وإجرامهم بالأجرام التي يزاد بعضها على بعض، وهو من تشبيه المعقول بالمحسوس. والعدول من مفعل إلى فعيل، في : عذاب أليم، لما في : فعيل، من المبالغة. والحذف في مواضع.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥١٤
النيل : حوق الشيء وإدراكه، الفعل منه : نال ينال. قيل : والنَّيل : العطية.
الوضع : الإلقاء. وضع الشيء ألقاه، ووضعت ما في بطنها ألقته، والفعل : وضع يضع وضعاً وضِعَة، والموضع : محل إلقاء الشيء. وفلان يضع الحديث أي : يلقيه من قبل نفسه من غير نقل، يختلفه..
بكة : مرادف لمكة، قاله مجاهد، والزجاج. والعرب تعاقب بين الباء والميم، قالوا : لازم، وراتم. والنميط، وبالباء فيها. وقيل : اسم لبطن مكة، قاله أبو عبيدة. وقيل : اسم لمكان البيت، قاله النخعي. وقيل : اسم للمسجد خاصة، قاله ابن شهاب. قيل : ويدل عليه أن البك هو دفع الناس بعضهم بعضاً وازدحامهم، وهذا إنما يحصل في المسجد عند الطواف لا في سائر المواضع، وسيأتي الكلام على لفظ مكة إن شاء الله.
البركة : الزيادة، والفعل منه : بارك، وهو متعد، ومنه ﴿أَنا بُورِكَ مَن فِى النَّارِ﴾ ويضمن معنى ما تعدى بعلى، لقوله : وبارك على محمد، و: تبارك، لازم.
العوج : الميل، قال أبو عبيدة : في الدين والكلام والعمل. وبالفتح في : الحائط والجذع. وقال الزجاج بمعناه. قال : فيما لا نرى له شخصاً، وبالفتح فيما له شخص. قال ابن فارس : بالفتح في كل منتصب كالحائط. والعوج : ما كان في بساط أو دين وأرض أو معاش.
العصم : المنع، واعتصم واستعصم : امتنع، واعتصمت فلاناً هيأت له ما يعتصم به، وكل متمسك بشيئ معتصم، وكل مانع شيء عاصم، ويرجع لهذا المعنى : الأعصم، والمعصم، والعصام. ويسمى الخبز عاصماً لأنه يمنع من الجوع.
﴿لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ مناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنه لما أخبر عمن مات كافراً أنه لا يقبل ما أنفق في الدنيا، أو ما أحضره لتخليص نفسه في الآخرة على الاختلاف الذي سبق، حض المؤمن على الصدقة وبين أنه لن يدرك البر حتى ينفق مما يحب.
والبر هنا. قال ابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، والسدّي، وعمرو بن ميمون : البر الجنة. وقال الحسن، والضحاك : الصدقة المفروضة. وقال أبو روف : الخير كله. وقيل : الصدق. وقيل : أشرف الدين، قاله عطاء. وقال ابن عطية : الطاعة. وقال مقاتل بن حيان : التقوى. وقال الزجاج : كل ما تقرّب به إلى الله من عمل خير. وقال معناه ابن عطية. قال أبو مسلم : وله مواضع، فيقال : الصدق البر، ومنه : صدقت وبررت، وكرام بررة، والإحسان : ومنه بررت والدي، واللطف والتعاهد : ومنه يبر أصحابه إذا كان يزورهم ويتعاهدهم، والهبة والصدقة : برّة بكذا إذا وهبه له.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٢٣
وقال : ويحتمل لن تنالوا برّ الله بكم أي، رحمته ولطفه. انتهى. وهو قول أبي بكر
٥٢٣
الوراق، قال : معنى الآية لن تنالوا برّي بكم إلاَّ ببرّكم بإخوانكم، والإنفاق عليهم من أموالكم وجاهكم. وروي نحوه على ابن جرير. ويحتمل أن يريد : لن تنالوا درجة الكمال من فعل البر حتى تكونوا أبراراً إلاَّ بالإنفاق المضاف إلى سائر أعمالكم، قاله ابن عطية. وقد تقدّم شرح البرّ في قوله :﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ﴾ ولكن فعلنا ما قال الناس في خصوصية هذا الموضع.
و : من، في : مما تحبون، للتبعيض، ويدل على ذلك قراءة عبد الله : حتى تنفقوا بعض ما تحبون. و: ما، موصولة، والعائد محذوف.
والظاهر : أن المحبة هنا هو ميل النفس وتعلقها التعلق التام بالمنفق، فيكون إخراجه على النفس أشق وأصعب من إخراج ما لا تتعلق به النفس ذلك التعلق، ولذلك فسره الحسن، والضحاك :: بأنه محبوب المال، كقوله :﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ﴾ لذلك ما روي عن جماعة أنهم لهذه الآية تصدّقوا بأحب شيء إليهم، فتصدّق أبو طلحة ببير حاء، وتصدق زيد بن حارثة بفرس له كان يحبها، وابن عمر بالسكر واللوز لأنه كان يحبه، وأبو ذر يفحل خير إبله وببرنس على مقرور، وتلا الآية، والربيع بن خيثم بالسكر لحبه له، وأعتق عمر جارية أعجبته، وابنه عبد الله جارية كانت أعجب شيء إليه.
وقيل : معنى مما تحبون، نفائس المال وطيبه لا رديئه وخبيثه. وقيل : ما يكون محتاجاً إليه. وقيل : كل شيء ينفقه المسلم من ماله يطلب به وجه الله.