وقال الزمخشري : إنما منعت الصرف لما فيها من العدلين : عدلها عن صيغتها، وعدلها عن تكريرها. وهي نكرات تعرفن بلام التعريف يقال : فلان ينكح المثنى والثلاث والرباع انتهى كلامه. وما ذهب إليه من امتناع الصرف لما فيها من العدلين : عدلها عن صيغتها، وعدلها عن تكرّرها، لا أعلم أحداً ذهب إلى ذلك، بل المذاهب في علة منع الصرف المنقولة أربعة : أحدها : ما نقلناه عن سيبويه. والثاني : ما نقلناه عن الفراء. والثالث : ما نقل عن الزجاج وهو لأنها معدولة عن اثنين اثنين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة، وأنه عدل عن التأنيث. والرابع : ما نقله أبو الحسن عن بعض النحويين أن العلة المانعة من الصرف هي تكرار العدل فيه، لأنه عدل عن لفظ اثنين وعدل عن معناه. وذلك أنه لا يستعمل في موضع تستعمل فيه الأعداد غير المعدولة تقول : جاءني اثنان وثلاثة، ولا يجوز : جاءني مثنى وثلاث حتى يتقدّم قبله جمع، لأن هذا الباب جعل بياناً لترتيب الفعل. فإذا قال : جاءني القوم مثنى، أفاد أن ترتيب مجيئهم وقع اثنين اثنين. فأما الاعداد غير المعدولة فإنما الغرض منها الأخبار عن مقدار المعدودون غيره. فقد بان بما ذكرنا اختلافهما في المعنى، فلذلك جاز أن تقوم العلة مقام العلتين لإيجابهما حكمين مختلفين انتهى ما قرر به هذا المذهب.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٠
وقد ردّ الناس على الزجاج قوله : أنه عدل عن التأنيث بما يوقف عليه في كتب النحو، والزمخشري لم يسلك شيئاً من هذه العلل المنقولة، فإن كان تقدّمه سلف ممن قال ذلك فيكون قد تبعه، وإلا فيكون مما انفرد بمقالته. وأما قوله : يعرفن بلام التعريف، يقال : فلان ينكح المثنى والثلاث والرباع، فهو معترض من وجهين : أحدهما : زعمه أنها تعرف بلام التعريف، وهذا لم يذهب إليه أحد، بل لم يستعمل في لسان العرب إلا نكرات. والثاني : أنه مثل بها، وقد وليت العوامل في قوله : فلان ينكح المثنى، ولا يلي العوامل، إنما يتقدّمها ما يلي العوامل، ولا تقع إلا خبراً كما جاء :﴿مَثْنَى ﴾. أو حالاً نحو :﴿مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَى ﴾ أو صفه نحو :﴿أُوْلِى أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَـاثَ وَرُبَـاعَ﴾ وقوله :
ذئاب يبغى الناس مثنى وموحدا
١٥١
وقد تجيء مضافة قليلاً نحو، قول الآخر :
بمثنى الزقاق المترعات وبالجزر
وقد ذكر بعضهم أنها تلي العوامل عل قلة، وقد يستدل له بقول الشاعر :
ضربت خماس ضربة عبشميأدار سداس أن لا يستقيما
ومن أحكام هذا المعدول أنه لا يؤنث، فلا تقول : مثناة، ولا ثلاثة، ولا رباعة، بل يجري بغير تاء على المذكر والمؤنث. عال : يعول عولاً وعيالة، مال. وميزان فلان عائل. وعال الحاكم في حكمه جار، وقال أبو طالب في النبي صلى الله عليه وسلّم :
له شاهد من نفسه غير عائل
وحكى ابن الأعرابي : أن العرب تقول : عال الرجل يعول كثر عياله. ويقال : عال يعيل افتقر وصار عالة. وعال الرجل عياله يعولهم ما نهم ومنه :"ابدأ بنفسك ثم بمن تعول" والعول في الفريضة مجاوزته لحد السهام المسماة. وجماع القول في عال : أنها تكون لازمة ومتعدية. فاللازمة بمعنى : مال، وجار، وكثر عياله، وتفاقم، وهذا مضارعه يعول. وعال الرجل افتقر، وعال في الأرض ذهب فيها، وهذا مضارعه يعيل. والمتعدية بمعنى أثقل، ومان من المؤنة. وغلب منه أعيل صبري وأعجز. وإذا كان بمعنى أعجز فهو من ذوات الياء، تقول : عالني الشيء يعيلني عيلاً ومعيلاً أعجزني، وباقي المتعدّي من ذوات الواو.
الصدقة على وزن سمرة المهر، وقد تسكن الدال، وضمها وفتح الصاد لغة أهل الحجاز. ويقال : صدقة بوزن غرفة. وتضم داله فيقال : صدقة وأصدقها أمهرها.
النحلة : العطية عن طيب نفس. والنحلة الشرعة، ونحلة الإسلام خير النحل. وفلان ينحل بكذا أي يدين به.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٠
هنيئاً مريئاً : صفتان من هنؤ الطعام ومرؤ، إذا كان سائغاً لا تنغيص فيه. ويقال : هنا يهنا بغير همز، وهنأني الطعام ومرّأني، فإذا لم تذكر هنأني قلت : أمرأني رباعياً، واستعمل مع هنأني ثلاثياً للاتباع. قال سيبويه : هنيئاً مريئاً صفتان نصبوهما نصب المصادر المدعو بها بالفعل غير المستعمل إظهاره المختزل، للدلالة التي في الكلام عليه كأنهم قالوا : ثبت ذلك هنيئاً مريئاً انتهى. وقال كثير :
هنيئاً مريئاً غير داء مخامرلعزة من أعراضنا ما استحلت
قيل : واشتقاق الهنيء من هناء البعير، وهو الدواء الذي يطلى به من الجرب، ويوضع في عقره. ومنه قوله :
متبذل تبدو محاسنهيضع الهناء مواضع النقب
والمريء ما يساغ في الحلق، ومنه قيل لمجرى الطعام في الحلقوم إلى فم المعدة : المريء. آنس كذا أحس به وشعر. قال :
آنست شاة وأفزعها القناص عصراً وقددنا الامساء
وقال الفراء : وجد. وقال الزجاج : علم. وقال عطاء : أبصر. وقال ابن عباس : عرف. وهي أقوال متقاربة. السديد من القول هو الموافق للحق منه.
أعلمه الرماية كل يومفلما اشتدّ ساعده رماني


الصفحة التالية
Icon