وأما قول ابن عطية : ويرد عندي هذه القراءة من المعنى وجهان، فجسارة قبيحة منه لا تليق بحاله ولا بطهارة لسانه. إذ عمد إلى قراءة متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قرأ بها سلف الأمة، واتصلت بأكابر قراء الصحابة الذين تلقوا القرآن من في رسول الله صلى الله عليه وسلّم بغير واسطة عثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت. وأقرأ الصحابة أُبيّ بن كعب عمدَ إلى ردّها بشيء خطر له في ذهنه، وجسارته هذه لا تليق إلا بالمعتزلة كالزمخشري، فإنه كثيراً ما يطعن في نقل القراء وقراءتهم، وحمزة رضي الله عنه : أخذ القرآن عن سليمان بن مهران الأعمش، وحمدان بن أعين، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وجعفر بن محمد الصادق، ولم يقرأ حمزة حرفاً من كتاب الله إلا بأثر. وكان حمزة صالحاً ورعاً ثقةً في الحديث، وهو من الطبقة الثالثة، ولد سنة ثمانين وأحكم القراءة وله خمس عشرة سنة، وأم الناس سنة مائة، وعرض عليه القرآن من نظرائه جماعة منهم : سفيان الثوري، والحسن بن صالح. ومن تلاميذه جماعة منهم إمام الكوفة في القراءة والعربية أبو الحسن الثوري، والحسن بن صالح. ومن تلاميذه جماعة منهم إمام الكوفة في القراءة والعربية أبو الحسن الكسائي. وقال الثوري وأبو حنيفة ويحيى بن آدم : غلب حمزة الناس على القرآن والفرائض. وإنما ذكرت هذا وأطلت فيه لئلا يطلع عمر على كلام الزمخشري وابن عطية في هذه القراءة فيسيء ظناً بها وبقارئها، فيقارب أن يقع في الكفر بالطعن في ذلك. ولسنا متعبدين بقول نحاة البصرة ولا غيرهم ممن خالفهم، فكم حكم ثبت بنقل الكوفيين من كلام العرب لم ينقله البصريون، وكم حكم ثبت بنقل البصريين لم ينقله الكوفيون، وإنما يعرف ذلك من له استبحار في علم العربية، لا صحاب الكنانيس المشتغلون بضروب من العلوم الآخذون عن الصحف دون الشيوخ.
﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ لا يراد بكان تقييد الخبر بالمخبر عنه في الزمان الماضي المنقطع في حق الله تعالى، وإن كان موضوع كان ذلك، بل المعنى على الديمومة فهو تعالى رقيب في الماضي وغيره علينا، والرقيب تقدم شرحه في المفردات. وقال بعضهم : هنا هو العليم، والمعنى : أنه مراع لكم لايخفى عليه ن أمركم شيء فاتقوه ﴿وَءَاتُوا الْيَتَـامَى أَمْوَالَهُمْ﴾ قال مقاتل والكلبي : نزلت في رجل من غطفان كان عنده مال كثير لابن أخ له يتيم، فلما بلغ طلب المال فمنعه. ومناسبتها لما قبلها أنه لما وصل الأرحام أتبع بالأيتام، لأنهم صاروا بحيث لا كافل لهم، ففارق حالهم حال مَن له رحم ماسه. وظاهره الأمر بإعطاء اليتامى أموالهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٠
واليتم في بني آدم : فقد الأب، وهو جمع يشمل الذكور والإناث. وينقطع هذا الاسم شرعاً بالبلوغ، فلا بد من مجاز، ما في اليتامى لإطلاقه على البالغين اعتباراً وتسمية بما كانوا عليه شرعاً قبل البلوغ من اسم اليتم، فيكون الأولياء قد أمروا بأن لا تؤخر الأموال عن حد البلوغ، ولا يمطلوا إن أونس منهم الرشد. وأمّا أن يكون المجاز في أوتوا، ويكون معنى إيتاؤهم الأموال : الإنفاق عليهم منها شيئاً فشيئاً، وأن لا يطمع فيها الأولياء والأوصياء، ويكفوا عنها أيديهم الخاطئة. وعلى كلا المعنيين الخطاب لمن له وضع اليد على مال اليتيم شرعاً. وقال ابن زيد : الخطاب لمن كانت عادته من العرب أن لا يرث الصغير من الأولاد مع الكبير، فقيل لهم : ورثوهم أموالهم، ولا تتركوا أيها الكبار حظوظكم حلالاً طيباً حراماً خبيثاً، فيجيء فعلكم ذلك تبدلاً. وقيل : كان الولي يربح على يتيمه فتستنفد تلك الأرباح مال اليتيم، فنهوا عن ذلك. واحتج أبو بكر
١٥٩


الصفحة التالية
Icon