الرازي بهذه الآية على السفيه لا يحجر عليه بلوغه خمساً وعشرين سنة. قال : لأن وآتوا اليتامى مطلق يتناول سفيهاً وغيره، أونس منه الرشد أولاً، ترك العمل به قبل السن المذكور بالإنفاق على أن إيناس الرشد قبل بلوغ هذا السن شرط في وجوب دفع المال إليه، وهذا الإجماع لم يوجد بعد هذا السن، فوجب إجراء الأمر بعد هذا السن على حكم ظاهره. وأجيب بأنّ هذه الآية عامة وخصصت بقوله : وابتلوا اليتامى ولا تؤتوا السفهاء، ولا شك أن الخاص مقدم على العام ﴿وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ﴾ قال ابن المسيب والنخعي والزهر والضحاك والسدي : كان بعضهم يبدل الشاة السمينة من مال اليتيم بالهزيلة من ماله، والدرهم الطيب بالزيف من ماله. وقال مجاهد وأبو صالح : المعنى ولا تتعجلوا أكل الخبيث من أموالهم، وتدعوا انتظار الرزق الحلال من عند الله. وقيل : المعنى ولا تأكلوا أموالهم خبيثاً وتدعوا أموالكم طيباً. وقيل : المعنى لا تأخذوا مال اليتيم وهو خبيث ليؤخذ منكم المال الذي لكم وهو طيب. وقيل : لا تأكلوا أموالهم في الدنيا فتكون هي نار تأكلونها وتتركون الموعود لكم في الآخرة بسبب إبقاء الخبائث والمحرمات، وقيل : لا تستبدلوا الأمر الخبيث وهو : اختزال أموال اليتامى بالأمر الطيب وهو : حفظها والتورع منها. وتفعل هنا بمعنى استفعل كتعجل، وتأخر بمعنى استعجل واستأخر. وظاهره أن الخبيث والطيب وصفان في الأجرام المتبدلة والمتبدل به، فإما أن يكون ذلك باعتبار اللغة فيكونان بمعنى الكريه المتناول واللذيذ، وإما أن يكون باعتبار الشرع فيكونان بمعنى الحرام والجلال. أما أن يكونا وصفين لاختزال الأموال وحفظها ففيه بعد ظاهر، وإن كان له تعلق ما بقوله : وآتوا اليتامى أموالهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٠
وقرأ ابن محيصن : ولا تبدلوا بإدغام التاء الأولى في الثانية.
﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ لما نهوا عن استبدال الخبيث من أموالهم بالطيب من أموال اليتامى، ارتقى في النهي إلى ما هو أفظع من الاستبدال وهو : أكل أموال اليتامى فنهوا عنه. ومعنى إلى أموالكم : قيل مع أموالكم، وقيل : إلى في موضع الحال التقدير : مضمومة إلى أموالكم. وقيل : تتعلق بتأكلوا على معنى التضمين أي : ولا تضموا أموالهم في الأكل إلى موالكم. وحكمة : إلى أموالكم، وإن كانوا منهيين عن أكل أموال اليتامى بغير حق، أنه تنبيه على غنى الأولياء. كأنه قيل : ولا تأكلوا أموالهم مع كونكم ذوي مال أي : مع غناكم، لأنه قد أذن للولي إذا كان فقيراً أن يأكل بالمعروف. وهذا نص على النهي عن الأكل، وفي حكمه التمول على جميع وجوهه.
وقال مجاهد : الآية ناهية عن الخلط في الإنفاق، فإن العرب كانت تخلط نفقتها بنفقة أيتامها فنهوا عن ذلك، ثم نسخ منه النهي بقوله تعالى : وإن تخالطوهم فإخوانكم}. وقال الحسن قريباً من هذا.
قال : تأول الناس من هذه الآية النهي عن الخلط، فاجتنبوه من قبل أنفسهم، فخفف عنهم في آية البقرة. وحسَّ هذا القول الزمخشري بقوله : وحقيقته ولا تضموها إليها في الإنفاق حتى لا تفرقوا بين أموالكم وأموالهم قلة مبالاة بما لا يحل لكم، وتسوية بينه وبين الحلال. قال :(فإن قلت) قد حرم عليهم أكل مال اليتامى وحده ومع أموالهم، فلم ورد النهي عن أكله معها ؟ (قلت) : لأنهم إذا كانوا مستغنين عن أموال اليتامى بما رزقهم الله من مال حلال، وهم على ذلك يطمعون فيها، كان القبح أبلغ والذم أحق. ولأنهم كانوا يفعلون ذلك فتعي عليهم فعلهم وسمع بهم ليكون أزجر لهم انتهى كلامه. وملخصه أن قوله : إلى أموالكم ليس قيداً للاحتراز، إنما جيء به لتقبيح فعلهم، ولأن يكون نهياً عن الواقع، فيكون نظير قوله :﴿أَضْعَـافًا مُّضَـاعَفَةً﴾ وإن كان الربا على سائر أحواله منهياً عنه. وما قدمناه نحن يكون ذلك قيداً للاحتراز، فإنه إذا كان
١٦٠
الولي فقيراً جاز أن يأكل بالمعروف، فيكون النهي منسحباً على أكل مال اليتيم لمن كان غنياً كقوله :﴿وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ﴾.
﴿إِنَّه كَانَ حُوبًا كَبِيرًا﴾ قرأ الجمهور بضم الحاء، والحسن بفتحها وهي لغة بني تميم وغيرهم، وبعض القراء : إنه كان حاباً كبيراً، وكلها مصادر. قال ابن عباس والحسن وغيرهما : الحوب الإثم. وقيل : الظلم. وقيل : الوحشة. والضمير في إنه عائد على الأكل. وقيل : على لتبدل. وعوده على الأكل أقرب لقربه منه، ويجوز أن يعود عليهما. كأنه قيل : إن ذلك كما قال :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٠
فيها خطوط من سواد وبلقكأنه في الجلد توليع البهق


الصفحة التالية
Icon