وقرأ النخعي وابن وثاب : وربع ساقطة الألف، كما حذفت في قوله : وحلياناً برداً يريد بارداً. وإذا أعربنا ما من ما طاب مفعوله وتكون موصولة، فانتصاب مثنى وما بعده على الحال منها، وقال أبو البقاء : حال من النساء. وقال ابن عطية : موضعها من الإعراب نصب على البدل من ما طاب، وهي نكرات لا تتصرف لأنها معدولة وصفه انتهى. وهما إعرابان ضعيفان. أمّا الأوّل فلأن المحدث عنه هو ما طاب، ومن النساء جاء على سبيل التبيين وليس محدثاً عنه، فلا يكون الحال منه، وإن كان يلزم من تقييده بالحال تقييد المنكوحات. وأما الثاني فالبدل هو على نية تكرار العامل، فيلزم من ذلك أن يباشرها العامل. وقد تقرر في المفردات أنها لا يباشرها العامل. وأيضاً فإنه قال : إنها نكرة وصفة، وما كان نكرة وصفة فإنه إذا جاء تابعاً لنكرة كان صفة لها كقوله تعالى :﴿أُوْلِى أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَـاثَ وَرُبَـاعَ﴾ وما وقع صفة للنكرة وقع حالاً للمعرفة. وما طاب معرفة فلزم أن يكون مثنى حالاً.
﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُمْ﴾ أي أن لا تعدلوا بين ثنتين إن نكحتموهما، أو بين ثلاث أو أربع إن نكحتموهن في القسم أو النفقة أو الكسوة، فاختاروا واحدة. أو ما ملكت أيمانكم هذا إن حملنا فانكحوا على
١٦٣
تزوجوا، وإن حملناه على الوطء قدرنا الفعل الناصب لقوله : فواحدة. فانكحوا واحدة أو ما ملكت أيمانكم. ويحتمل أن يكون من باب علفتها تبناً وماء بارداً على أحد التخريجين فيه، والتقدير : فانكحوا أي تزوجوا واحدة، أوطئوا ما ملكت أيمانكم. ولم يقيد مملوكات اليمين بعدد، فيجوز أن يطأ ما شاء منهن لأنه لا يجب العدل بينهن لا في القسم ولا في النفقة ولا في الكسوة. وقرأ الحسن والجحدري وأبو جعفر وابن هرمز : فواحدة بالرفع. ووجه ذلك ابن عطية على أنه مرفوع بالابتداء، والخبر مقدر أي : فواحدة كافية. ووجهه الزمخشري على أنه مرفوع على الخبر أي : فالمقنع، أو فحسبكم واحدة، أو ما ملكت أيمانكم. وأو هنا لأحد الشيئين : إما على التخيير، وإما على الإباحة.
وروي عن أبي عمرو : فما ملكت أيمانكم يريد به الإماء، والمعنى : على هذا أن خاف أن لا يعدل في عشرة واحدة فما ملكت يمينه. وقرأ ابن أبي عبلة : أو من ملكت أيمانكم، وأسند الملك إلى اليمين لأنها صفة مدح، واليمين مخصوصة بالمحاسن. ألا ترى أنها هي المنفقة في قوله :"حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" وهي المعاهدة والمتلقية لرايات المجد، والمأمور في تناول المأكول بالأكل بها، والمنهي عن الاستنجاء بها. وهذان شرطان مستقلان لكل واحد منهما جواب مستقل، فأول الشرطين : وإن ختفم أن لا تقسطوا، وجوابه : فانكحوا. صرف من خاف من الجور في نكاح اليتامى إلى نكاح البالغات منهن ومن غيرهن وذكر تلك الأعداد. وثاني الشرطين قوله : فإن خفتم أن لا تعدلوا وجوابه : فواحدة، أو ما ملكت أيمانكم صرف من خاف من الجور في نكاح ما ذكر من العدد إلى نكاح واحدة، أو تسرّ بما ملك وذلك على سبيل اللطف بالمكلف والرفق به، والتعطف على النساء والنظر لهن.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٠
وذهب بعض الناس إلى أن هذه الجمل اشتملت على شرط واحد، وجملة اعتراض. فالشرط : وإن خفتم أن لا تقسطوا، وجوابه : فواحدة. وجملة الاعتراض قوله : فانكحوا ما طاب لكمك من النساء مثنى وثلاث ورباع، وكرر الشرط بقوله : فإن خفتم أن لا تعدلوا. لما طال الكلام بالاعتراض إذ معناه : كما جاء في فلما جاءهم ما عرفوا بعد قوله، ولما جاءهم كتاب من عند الله إذ طال الفصل بين لما وجوابها فأعيدت. وكذلك ﴿فَلا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ﴾ بعد قوله :﴿لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ﴾ إذ طال الفصل بما بعده بين : لا تحسبن، وبين بمفازة، فأعيدت الجملة، وصار المعنى على هذا التقدير، إن لم تستطيعوا أن تعدلوا فانكحوا واحدة. قال : وقد ثبت أنهم لا يستطيعون العدل بقوله :﴿وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ انتهى هذا القول وهو منسوب إلى أبي علي. ولعله لا يصح عنه، فإن أبا علي كان من علم النحو بمكان، وهذا القول فيه إفساد نظم القرآن التركيبي، وبطلان للأحكام الشرعية : لأنه إذا أنتج من الآيتين هذه وقوله : ولن تستطيعوا بما نتج من الدلالة، اقتضى أنه لا يجوز أن يتزوج غير واحدة، أو يتسرّى بما ملكت يمينه. ويبقى هذا الفصل بالاعتراض بين الشرط وبين جوابه لغواً لا فائدة له على زعمه. والعدل المنفي استطاعته غير هذا العدل المنفي هنا، ذاك عدل في ميل القلب وقد رفع الحرج فيه عن الإنسان، وهذا عدل في القسم والنفقة. ولذلك نفيت هناك استطاعته، وعلق هنا على خوف انتفائه، لأن الخوف فيه رجاء وظن غالباً. وانتزع الشافعي من قوله : فواحدة أو ما ملكت أيمانكم، أن الاشتغال بنوافل العبادات أفضل من
١٦٤


الصفحة التالية
Icon