جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٠
هنيئاً مريئاً غيرداء مخامرلعزة من أعراضنا ما استحلت
فما : مرفوع بما تقدّم من هنيء أو مريء. أو بثبت المحذوفة على اختلاف السيرافي وأبي عليّ على طريق الأعمال. وجاز الأعمال في هذه المسألة وإن لم يكن بينهما رابط عطف، لكون مريئاً لا يستعمل إلا تابعاً لهنيئاً، فصارا كأنهما مرتبطان لذلك. ولو كان ذلك في الفعل لم يجز لو قلت : قام خرج زيد، لم يصح أن يكون من الأعمال إلا على نية حرف العطف. وذهب بعضهم : إلى أنّ مريئاً يستعمل وحده غير تابع لهنيئاً، ولا يحفظ ذلك من كلام العرب، وهنيئاً مريئاً اسما فاعل للمبالغة. وأجاز أبو البقاء أن يكونا مصدرين جاءآ على وزن فعيل، كالصهيل والهدير، وليسا من باب ما يطرد فيه فعيل في المصدر.
وظاهر الآية يدل على أنّ المرأة إذا وهبت لزوجها شيئاً من صداقها طيبة بها نفسها غير مضطرة إلى ذلك بإلحاح أو شكاسة خلق، أو سوء معاشرة، فيجوز له أن يأخذ ذلك منها ويتملكه وينتفع به. ولم يوقت هذا التبرع بوقت، ولا استثناء فيه رجوع. وذهب الأوزاعي : إلى أنه لا يجوز تبرعها ما لم تلد، أو تقم في بيت زوجها سنة، فلو رجعت بعد الهبة فقال شريح وعبد الملك بن مروان : لها أن ترجع. وروى مثله عن عمر. كتب عمر إلى قضاته : أن النساء يعطين رغبة ورهبة، فأيما امرأة أعطت زوجها ثم أرادت أن ترجع فلها ذلك. قال شريح : لو طابت نفسها لما رجعت. وقال عبد الملك : قال تعالى :
١٦٨
﴿فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْـاًا ﴾ وكلا القولين خلاف الظاهر من هذه الآية. وفي تعليق القبول على طيب النفس ذون لفظة الهبة أو الإسماح، دلالة على وجوب الاحتياط في الأخذ، وإعلام أنّ المراعى هو طيب نفسها بالموهوب. وفي قوله : هنيئاً مريئاً مبالغة في الإباحة والقبول وزوال التبعة.
﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِى جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَـامًا﴾ قال ابن مسعود والحسن والضحاك والسدي وغيرهم : نزلت في ولد الرجل الصغار وامرأته. وقال ابن جبير : في المحجورين. وقال مجاهد : في النساء خاصة. وقال أبو موسى الأشعري والطبري وغيرهما : نزلت في كل من اقتضى الصفة التي شرط الله من السفه كائناً من كان. ويضعف قول مجاهد أنها في النساء، كونها جمع سفيهة، والعرب إنما تجمع فعيلة على فعائل أو فعيلات قاله : ابن عطية. ونقلوا أنّ العرب جمعت شفيهة على سفهاء، فهذا اللفظ قد قالته العرب للمؤنث، فلا يضعف قول مجاهد. وإن كان جمع فعيلة الصفة للمؤنث نادراً لكنه قد نقل في هذا اللفظ خصوصاً. وتخصيص ابن عطية جمع فعيلة بفعائل أو فعيلات ليس بجيد، لأنه يطرد فيه فعال كظريفة وظراف، وكريمة وكرام، ويوافق في ذلك المذكر. وإطلاقه فعيلة دون أن يخصها بأن لا يكون بمعنى مفعولة نحو : قتيلة، ليس بجيد، لأن فعيلة لا تجمع على فعائل.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٠
وقيل : عنى بالسفهاء الوارثين الذين يعلم من حالهم أنهم يتسفهون في استعمال ما تناله أيديهم، فنهى عن جمع المال الذي ترثه السفهاء. والسفهاء : هم المبذرون الأموال بالإنفاق فيما لا ينبغي، ولا يد لهم بإصلاحها وتثميرها والتصرّف فيها. والظاهر في قوله : أموالكم أن المال مضاف إلى المخاطبين بقوله : ولا تؤتوا. قال أبو موسى الأشعري وابن عباس والحسن وقتادة : نهى أن يدفع إلى السفيه شيء من مال غيره، وإذا وقع النهي عن هذا فإن لا يؤتى شيئاً من مال نفسه أولى وأحرى بالنهي، وعلى هذا القول : وهو أن يكون الخطاب لأرباب الأموال. قيل : يكون في ذلك دلالة على أن الوصية للمرأة جائزة، وهو قول عامة أهل العلم. وأوصى عمر إلى حفصة. وروي عن عطاء : أنها لا تكون وصياً. قال : ولو فعل حولت إلى رجل من قومه.
قيل : ويندرج تحتها الجاهل بأحكام البيع. وروي عن عمر أنه قال :"من لم يتفقه في الدين فلا يتجر في أسواقنا، والكفار". وكره العلماء أن يوكلَ المسلم ذمياً بالبيع والشراء، أو يدفع إليه يضاربه. وقال ابن جبير : يريد أموال السفهاء، وإضافها إلى المخاطبين تغبيط بالأموال، أي : هي لهم إذا احتاجوها كأموالكم التي تقي أغراضكم وتصونكم وتعظم أقذاركم. ومن مثل هذا :﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ﴾ وما جرى مجراه. وهذا القول ذكره الزمخشري أولاً قال : والخطاب للأولياء، وأضاف الأموال إليهم لأنها من جنس ما يقيم به الناس معائشهم. كما قال : ولا تقتلوا أنفسكم، ﴿فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُم مِّن فَتَيَـاتِكُمُ الْمُؤْمِنَـاتِ﴾، والدليل على أنه خطاب للأولياء في أموال اليتامى قوله :﴿وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ﴾.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٠


الصفحة التالية
Icon