وباقي المال للولد ذكراً كان أو أنثى. والحكم عند الجمهور أنه لو كان الولد أنثى أخذ السدس فرضاً، والباقي تعصيباً. وتعلقت الروافض بظاهر لفظ ولد فقالوا : السدس لكل واحد من أبويه، والباقي للبنت أو الابن، إذ الولد يقع على : الذكر، والأنثى، والجد، وبنات الابن مع البنت، والأخوات لأب مع أخت لأب وأم، والواحدة من ولد الأم، والجدات كالأب مع البنت في السدس. وقال مالك : لا ترث جدة أبي الأب. وقال ابن سيرين : لا ترث أم الأم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٠
والضمير في لأبويه عائد على ما عاد عليه الضمير في ترك، وهو ضمير الميت الدال عليه معنى الكلام وسياقه. ولكل واحد منهما بدل من أبويه، ويفيد معنى التفصيل. وتبيين أن السدس لكل واحد، إذ لولا هذا البدل لكان الظاهر اشتراكهما في السدس، وهو أبلغ وآكد من قولك : لكل واحد من أبويه السدس، إذ تكرر ذكرهما مرتين : مرة بالإظهار، ومرة بالضمير العائد عليهما. قال الزمخشري : والسدس مبتدأ، وخبره لأبويه، والبدل متوسط بينهما انتهى. وقال أبو البقاء : السدس رفع بالابتداء، ولكل واحد منهما الخبر، ولكل بدل من الأبوين، ومنهما نعت لواحد. وهذا البدل هو بدل بعض من كل، ولذلك أتى بالضمير، ولا يتوهم أنه بدل شيء من شيء، وهما لعين واحدة، لجواز أبواك يصنعان كذا، وامتناع أبواك كل واحد منهما يصنعان كذا. بل تقول : يصنع كذا. وفي قول الزمخشري : والسدس مبتدأ وخبره لأبويه نظر، لأنّ البدل هو الذي يكون الخبر له دون المبدل منه، كما مثلناه في قولك : أبواك كل واحد منهما يصنع كذا، إذا أعربنا كلا بدلاً. وكما تقول : إنّ زيداً عينه حسنه، فلذلك ينبغي أن يكون إذا وقع البدل خبراً فلا يكون المبدل منه هو الخبر، واستغنى عن جعل المبدل منه خبراً بالبدل كما استغنى عن الاخبار عن اسم إن وهو المبدل منه بالاخبار عن البدل. ولو كان التركيب : ولأبويه السدسان لا وهم التنصيف أو الترجيح في المقدار بين الأبوين، فكان هذا التركيب القرآني في غاية النصية والفصاحة، وظاهر قوله : ولأبويه، أنهما اللذان ولدا الميت قريباً لا جداه، ولا مَن علا من الأجداد. وزعموا أن قوله : أولادكم، يتناول من سفل من الأبناء. قالوا : لأنّ الأبوين لفظ مثنى لا يحتمل العموم ولا الجمع، بخلاف قوله : في أولادكم. وفيما قالوه : نظروهما عندي سواء في الدلالة، إن نظر إلى حمل اللفظ على حقيقته فلا يتناول إلا الأبناء الذين ولدهم الأبوان قريباً، لا من سفل كالأبوين لا يتناول إلا من ولداه قريباً، لا من علا. أو إلى حمل اللفظ على مجازه، فيشترك اللفظان في ذلك، فينطلق الأبوان على من ولداه قريباً. ومن علا كما ينطلق الأولاد
١٨٣
على من ولداهم قريباً. ومن سفل يبين حمله على الحقيقة في الموضعين أنَّ ابن الابن لا يرث الابن، وأن الجدة لا يفرض لها الثلث بإجماع، فلم ينزل ابن الابن منزلة الابن مع وجوده، ولا الحدة منزلة الأم.
﴿فَإِن لَّمْ يَكُن لَّه وَلَدٌ وَوَرِثَهُا أَبَوَاهُ فَلامِّهِ الثُّلُثُ﴾ قوله : فإن لم يكن له ولد قسيم لقوله :﴿إِن كَانَ لَه وَلَدٌ﴾ وورثه أبواه دليل عل أنهما انفردا بميراثه ليس معهما أحد من أهل السهام، لا ولد ولا غيره، فيكون قوله : وورثه أبواه حكما لهما بجميع المال. فإذا خلص للأم الثلث كان الثاني وهو الثلثان للأب، فذكر القسم الواحد يدل على الآخر كما تقول : هذا المال لزيد وعمرو، لزيد منه الثلث، فيعلم قطعاً أن باقيه وهو الثلثان لعمرو. فلو كان معهما زوج كان للأم السدس وهو : الثلث بالإضافة إلى الأب. وقال ابن عباس وشريح : للأم الثلث من جميع المال مع الروح، والنصف للزوج، وما بقي للأب، فيكون معنى : وورثه أبواه منفردين أو مع غير ولد، وهذا مخالف لظاهر قوله : وورثه أبواه. إذ يدل على أنهما انفرد بالإرث، فيتقاسمان للذكر مثل حظ الأنثيين. ولا شك أن الأب أقوى في الإرث من الأم، إذ يضعف نصيبه على نصيبها إذ انفرد بالإرث، ويرث بالفرض وبالتعصيب وبهما. وفي قول ابن عباس وشريح : يكون لها مع الزوج والأب مثل حظ الذكرين، فتصير أقوى من الأب، وتصير الأنثى لها مثلاً حظ الذكر، ولا دليل على ذلك من نص ولا قياس.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٠


الصفحة التالية
Icon