﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ قيل : الإشارة بتلك إلى القسمة المتقدّمة في المواريث. والأولى أن تكون إشارة إلى الأحكام السابقة في أحوال اليتامى والزوجات والوصايا والمواريث، وجعل هذه الشرائع حدوداً، لأنها مؤقتة للمكلفين لا يجوز لهم أن يتعدوها إلى غيرها. وقال ابن عباس : حدود الله طاعته. وقال السدّي : شروطه. وقيل : فرائضه. وقيل : سننه. وهذه
١٩١
أقوال متقاربة.
﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَه يُدْخِلْهُ جَنَّـاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُ خَـالِدِينَ فِيهَا وَذالِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ لما أشار تعالى إلى حدوده التي حدَّها قسَّم الناس إلى عامل بها مطيع، وإلى غير عامل بها عاص. وبدأ بالمطبع لأن الغالب على من كان مؤمناً بالله تعالى الطاعة، إذ السورة مفتتحة بخطاب الناس عامّة، ثم أردف بخطاب من يتصف بالإيمان إلى آخر المواريث، ولأن قسم الخير ينبغي أن يبتدأ به وأن يعتني بتقديمه. وحمل أولاً على لفظ من في قوله : يطع، ويدخله، فأفرد ثم حمل على المعنى في قوله : خالدين. وانتصاب خالدين على الحال المقدرة، والعامل فيه يدخله، وصاحب الحال هو ضمير المفعول في يدخله.
قال ابن عطية : وجمع خالدين على معنى من بعد أن تقدم الإفراد مراعاة للفظ من، وعكس هذا لا يجوز انتهى. وما ذكر أنه لا يجوز من تقدم الحمل على المعنى ثم على اللفظ جائز عند النحويين، وفي مراعاة الحملين تفصيل وخلاف مذكور في كتب النحو المطولة. وقال الزمخشري : وانتصب خالدين وخالداً على الحال. (فإن قلت) : هل يجوز أن يكونا صفتين لجنات وناراً ؟ (قلت) : لا، لأنهما جريا على غير من هما له، فلا بد من الضمير وهو قولك : خالدين هم فيها، وخالداً هو : فيها انتهى. وما ذكره ليس مجمعاً عليه، بل فرع على مذهب البصريين. وأما عند الكوفيين فيجوز ذلك، ولا يحتاج إلى إبراز الضمير إذا لم يلبس على تفصيل لهم في ذلك ذكر في النحو. وقد جوز ذلك في الآية الزجاج والتبريزي أخذ بمذهب الكوفيين. وقرأ نافع وابن عامر : ندخله هنا، وفي : ندخله ناراً بنون العظمة. وقرأ الباقون : بالياء عائداً على الله تعالى. قال الراغب : ووصف الفوز بالعظم اعتبار يفوز الدّنيا الموصوف بقوله :﴿قُلْ مَتَـاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾ والصغير والقليل في وصفهما متقاربان.
﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَه وَيَتَعَدَّ حُدُودَه يُدْخِلْهُ نَارًا خَـالِدًا فِيهَا وَلَه عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ لما ذكر ثواب مراعي الحدود ذكر عقاب من يتعداها، وغلظ في قسم المعاصي، ولم يكتف بالعصيان بل أكد ذلك بقوله : ويتعدّ حدوده، وناسب الختم بالعذاب المهين، لأن العاصي المتعدّي للحدود برز في صورة من اغتر وتجاسر على معصية الله. وقد تقل المبالاة بالشدائد ما لم ينضم إليها الهوان، ولهذا قالوا : المنية ولا الدنية. قيل : وأفرد خالداً هنا، وجمع في خالدين فيها، لأنّ أهل الطاعة أهل الشفاعة، وإذا شفع في غير دخلها، والعاصي لا يدخل النار به غيره، فبقي وحيداً انتهى.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٠
وتضمنت هذه الآيات من أصناف البديع : التفصيل في : الوارث والأنصباء بعد الإبهام في قوله : للرجال نصيب الآية. والعدول من صيغة : يأمركم الله إلى يوصيكم، لما في الوصية من التأكيد والحرص على اتباعها. والطباق في : للذكر مثل حظ الأنثيين، وفي : من يطع ومن يعص، وإعادة الضمير إلى غير مذكور لقوة الدلالة على ذلك في قوله : مما ترك أي : ترك الموروث. والتكرار في : لفظ كان، وفي فريضة من الله، أن الله، وفي : ولداً، وأبواه، وفي : من يعد وصية يوصي بها أو دين، وفي : وصية من الله أن الله، وفي : حدود الله، وفي : الله ورسوله. وتلوين الخطاب في : من قرأ ندخله بالنون. والحذف في مواضع.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨٠
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٢
١٩٢
العشرة : الصحبة والمخالطة. يقال : عاشروا، وتعاشروا، واعتشروا. وكان ذلك من أعشار الجذور، لأنها مقاسمة ومخالطة. الإفضاء إلى الشيء : الوصول إلى فضاء منه، أي سعة غير محصورة. وفي مثل الناس فوضى فضى أي : مختلطون، يباشر بعضهم بعضاً. ويقال : فضاً يفضو فضاًء إذا اتسع، فألف أفضى منقلبة عن ياء أصلها واو. المقت : البغض المقرون باستحقار حصل بسبب أمر قبيح ارتكبه صاحبه. العمة : أخت الأب. الخالة : أخت الأم، وألفها منقلبة عن واو، دليل ذلك قولهم : أخوال في جمع الخال، ورجل مخول كريم الأخوال. الربيبة : بنت زوج الرجل من غيره. الحَجر بفتح الحاء وكسرها : مقدّم ثوب الإنسان وما بين يديه منه في حال اللبس، ثم استعملت اللفظة في السير والحفظ، لأن اللابس إنما يحفظ طفلاً، وما أشبهه في ذلك الموضع من الثوب، وجمعه حجور. الحليلة : الزوجة، والحليل الزوج قال :
أغشى فتاة الحي عند حليلهاوإذا غزا في الجيش لا أغشاها


الصفحة التالية
Icon