الثابت :﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا﴾ "الثيب ترجم والبكر تجلد" فدل على أن ذلك في الزناة. وأجاب بأنه يقتضي نسخ القرآن بخبر الواحد، وأنه غير جائز. وبأن الصحابة اختلفوا في أحكام اللوطية ولم يتمسك أحد منهم بقوله : واللذان يأتيانها منكم، فدل على أنها ليست فيهم. وأجاب بأن مطلوب الصحابة : هل يقام الحد على اللوطي وليس فيها دلالة على ذلك لا بالنفي ولا بالإثبات ؟ فلهذا لم يرجعوا إليه. انتهى. ما احتج به أبو مسلم، وما ردّ به عليه، وما أجاب به. والذي يقتضيه ظاهر اللفظ هو قول مجاهد وغيره : أن اللاتي مختص بالنساء، وهو عام أحصنت أو لم تحصن. وإن واللذان مختص بالذكور، وهو عام في المحصن وغير المحصن. فعقوبة النساء الحبس، وعقوبة الرجال الأذى. ويكون هاتان الآيتان وآية النور قد استوفت أصناف الزناة، ويؤيد هذا الظاهر قوله : من نسائكم وقوله : منكم، لا يقال : إن السحاق واللواط لم يكونا معروفين في العرب ولا في الجاهلية، لأن ذلك كان موجوداً فيهم، لكنه كان قليلاً. ومن ذلك قول طرفة بن العبد :
ملك النهار وأنت الليل مومسةماء الرجال على فخذيك كالقرس
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٢
وقال الراجز :
يا عجباً لساحقات الورسالجاعلات المكس فوق المكس
وقرأ عبد الله : واللاتي يأتين بالفاحشة، وقوله : من نسائكم اختلف، هل المراد الزوجات أو الحرائر أو المؤمنات أو الثيبات دون الأبكار ؟ لأن لفظ النساء مختص في العرف بالثيب، أقوال. الأول : قاله قتادة والسدي وغيرهما. قال ابن عطية : قوله من نسائكم إضافة في معنى الإسلام، لأن الكافرة قد تكون من نساء المسلمين ينسب ولا يلحقها هذا الحكم انتهى. وظاهر استعمال النساء مضافة للمؤمنين في الزوجات كقوله تعالى :﴿لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ﴾ ﴿وَالَّذِينَ يُظَـاهِرُونَ مِن نِّسَآاِهِمْ﴾ وكون المراد الزوجات وأن الآية فيهم، هو قول أكثر المفسرين. وأمر تعالى باستشهاد أربعة تغليظاً على المدعي، وستراً لهذه المعصية. وقيل : يترتب على كل واحد شاهدان. وقوله : عليهن، أي على إتيانهن الفاحشة. والظاهر أنه يختص بالذكور المؤمنين لقوله : أربعة منكم، وأنه يجوز الاستشهاد لمعاينة الزنا. وإن تعمد النظر إلى الفرح لا يقدح في العدالة إذا كان ذلك لأجل الزنا.
وإعراب اللاتي مبتدأ، وخبره فاستشهدوا. وجاز دخول الفاء في الخبر، وإن كان لا يجوز فاضربه على الابتداء والخبر، لأن المبتدأ موصول بفعل مستحق به الخبر، وهو مستوف شروط ما تدخل الفاء في خبره، فأجرى الموصول لذلك مجرى اسم الشرط. وإذ قد أجرى مجراه بدخول الفاء فلا يجوز أن ينتصب بإضمار فعل يفسره فاستشهدوا، فيكون من باب الاشتغال، لأن فاستشهدوا لا يصح أن يعمل فيه لجريانه مجرى اسم الشرط، فلا يصح أن يفسر هكذا. قال بعضهم : وأجاز قوم النصب بفعل محذوف تقديره : اقصدوا اللاتي. وقيل : خير اللاتي محذوف تقديره : فيما يتلى عليكم حكم اللاتي يأتين، كقول سيبويه في قوله :﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ﴾ وفي قوله :﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى﴾ وعلى ذلك جملة سيبويه. ويتعلق من نسائكم بمحذوف، لأنه في موضع الحال من الفاعل في : يأتين، تقديره : كائنات من نسائكم. ومنكم يحتمل أن يتعلق بقوله : فاستشهدوا، أو بمحذوف فيكون صفة لأربعة، أي : كائنين منكم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٢
﴿فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا﴾ أي : فإن شهد أربعة منكم عليهن. والمخاطب بهذا الأمر : أهم الأزواج أمروا بذلك إذا بدت من الزوجة فاحشة الزنا، ولا تقربوهن عقوبة لهن وكانت من جنس جريمتهن ؟ أم الأولياء إذا بدت ممن لهم عليهن ولاية ونظر يحبسن حتى يمتن ؟ أو أولو الأمر من الولاة والقضاة إذ هم
١٩٥


الصفحة التالية
Icon