وإعراب واللذان كإعراب واللاتي. وقرأ الجمهور : واللذان بتخفيف المنون. وقرأ ابن كثير : بالتشديد. وذكر المفسرون علة حذف الياء، وعلة تشديد النون، وموضوع ذلك علم النحو. وقرأ عبد الله : والذين يفعلونه منكم، وهي قراءة مخالفة لسواد مصحف الإمام، ومتدافعة مع ما بعدها. إذ هذا جمع، وضمير جمع وما بعدهما ضمير تثنية، لكنه يتكلف له تأويل : بأن الذين جمع تحته صنفا الذكور والإناث، فعاد الضمير بعده مثنى باعتبار الصنفين، كما عاد الضمير مجموعاً على المثنى باعتبار أن المثنى تحتهما أفراد كثيرة هي في معنى الجمع في قوله :﴿وَإِن طَآاِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ﴾ ﴿هَـاذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا ﴾ والأولى اعتقاد قراءة عبد الله أنها على جهة التفسير، وأن المراد بالتثنية العموم في الزناة. وقرىء واللذأن بالهمزة وتشديد النون، وتوجيه هذه القراءة أنه لما شدد النون التقى ساكنان، ففر القارىء من التقائهما إلى إبدال الألف همزة تشبيهاً لها بألف فاعل المدغم عينه في لامه، كما قرىء :﴿وَلا الضَّآلِّينَ﴾ ﴿وَلا جَآنٌّ﴾ وقد تقدم لنا الكلام في ذلك مشبعاً في قوله : ولا الضالين في الفاتحة.
﴿فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَآ﴾ أي : إن تابا عن الفاحشة وأصلحا عملهما فاتركوا أذاهما. والمعنى : أعرضوا عن أذاهما. وقيل : الأمر بكف الأذى عنهما منسوخ بآية الجلد. قال ابن عطية : وفي قوة اللفظ غض من الزناة وإن تابوا، لأنّ تركهم إنما هو إعراض. ألا ترى إلى قوله تعالى :﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَـاهِلِينَ﴾ وليس هذا الإعراض في الآيتين أمراً بهجرةٍ، ولكنها متاركة معرض، وفي ذلك احتقار لهم بسبب المعصية المتقدمة. انتهى كلامه.
﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾ أي رجاعاً بعباده عن معصيته إلى طاعته، رحيماً لهم بترك أذاهم إذا تابوا.
﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّواءَ بِجَهَـالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوالَئاِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِم وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا﴾ تقدم الكلام في إنما وفي دلالتها على الحصر، أهو من حيث الوضع، أو الاستعمال ؟ أم دلالة لها عليه ؟ وتقدم الكلام في التوبة وشروطها، فأغنى ذلك عن إعادته. وقوله : إنما التوبة على الله هو على حذف مضاف من المبتدأ والخبر، والتقدير : إنما قبول التوبة مترتب على فضل الله، فتكون على باقية على بابها. وقال الزمخشري : يعني إنما القبول والغفران واجب على الله تعالى لهؤلاء انتهى. وهذا الذي قاله هو على طريق المعتزلة، والذي نعتقده أن الله لا يجب عليه تعالى شيء من جهة العقل، فأما ما ظاهره الوجوب من جهة السمع على نفسه كتخليد الكفار وقبول الإيمان من الكافر بشرطه فذلك واقع قطعاً، وأما قبول التوبة فلا يحب على الله عقلاً وأما من جهة السمع فتظافرت ظواهر الآي والسنة على قبول الله التوبة، وأفادت القطع بذلك. وقد ذهب أبو المعالي الجويني وغيره : إلى أن هذه الظواهر إنما تفيد غلبة الظن لا القطع بقبول التوبة، والتوبة فرض بإجماع الأمة، وتصح وإن نقضها في ثاني حال بمعاودة الذنب ومن ذنب، وإن أقام على ذنب غيره خلافاً للمعتزلة ومن نحا نحوهم ممن ينتمي إلى السنة، إذ ذهبوا إلى أنه لا يكون تائباً من أقام على ذنب. وقيل : على بمعنى عند. وقال الحسن : بمعنى من، والسوء يعم الكفر والمعاصي غيره سمي بذلك لأنه تسوء عاقبته.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٢
وموضع بجهالة حال، أي : جاهلين ذوي سفه وقلة تحصيل، إذ ارتكاب
١٩٧
السوء، لا يكون إلا عن غلبة الهوى للعقل، والعقل يدعو إلى الطاعة، والهوى والشهوة يدعوان إلى المخالفة، فكل عاص جاهل بهذا التفسير. ولا تكون الجهالة هنا التعمد، كما ذهب إليه الضحاك. وروي عن مجاهد لإجماع المسلمين : على أنَّ من تعمد الذنب وتاب، تاب الله عليه. وأجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم على أن كل معصية هي بجهالة عمداً كانت أو جهلاً. وقال الكلبي : بجهالة أي لا يجهل كونها معصية، ولكن لا يعلم كنه العقوبة. وقال عكرمة : أمور الدّنيا كلها جهالة، يعني ما اختص بها وخرج عن طاعته الله. وقال الزجاج : جهالته من حيث آثر اللذة الفانية على اللذة الباقية، والحظ العاجل على الآجل. وقيل : الجهالة الإصرار على المعصية، ولذلك عقبه بقوله : ثم يتوبون من قريب. وقيل : معناه فعله غير مصرّ عليه، فأشبه الجاهل الذي لا يتعمد الشيء. وقال الترمذي : جهل الفعل الوقوع فيه من غير قصد، فيكون المراد منه العفو عن الخطأ، ويحتمل قصد الفعل والجهل بموقعه أي : حرام، أو في الحرمة : أي : قدر هي فيرتكبه مع الجهالة بحاله، لا قصد الاستخفاف به والتهاون به. والعمل بالجهالة قد يكون عن غلبة شهوة، فيعمل لغرض اقتضاء الشهوة على طمع أنه سيتوب من بعد ويصير صالحاً، وقد يكون على طمع المغفرة والاتكال على رحمته وكرمه. وقد تكون الجهالة جهالة عقوبة عليه.


الصفحة التالية
Icon