وقال الزمخشري : أولئك أعتدنا لهم في الوعيد، نظير قوله :﴿فَأُوالَئاِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ في الوعد ليتبين أن الأمرين كائنان لا محالة انتهى. وتلطف الزمخشري في دسه الاعتزال هنا، وذلك أنه كان قد قرر أول كلامه بأنّ من نفى عنهم التوبة صنفان، ثم ذكر هذا عقيبه، وفهم منه أن الوعيد في حق هذين الصنفين، كائن لا محالة، كما أن الوعد للذين تقبل توبتهم من الصنف المذكور، قبل هذه الآية واقع لا محالة، فدل على أنّ العصاة الذين لا توبة لهم وعيدهم كائن مع وعيد الكفار، وهذا هو مذهب المعتزلة. ومع احتمال أن يكون
٢٠١
أولئك إشارة إلى الذين يوافون على الكفر، ويرجح ذلك بأن فعل الكافر أقبح من فعل الفاسق، لا يتعين أن يكون الوعيد مقطوعاً به للفاسق. وعلى تقدير أن يكون الوعيد للفاسق الذي لا توبة له، فلا يلزم وقوع ما دل عليه، إذ يجوز العقاب ويجوز العفو. وفائدة وروده حصول التخويف للفاسق. وكل وعيد للفساق الذين ماتوا على الإسلام فهو مقيد بقوله تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِا وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَالِكَ لِمَن يَشَآءُ﴾ وهذه هي الآية المحكمة التي يرجع إليها.
وذهب أبو العالية الرياحي وسفيان الثوري : إلى أن قوله :﴿لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّـاَاتِ﴾ في حق المنافقين، واختاره المروزي. قال : فرق بالعطف، ودل على أنَّ المراد بالأول المنافقون. كما فرق بينهم في قوله :﴿فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ لأن المنافق كان مخالفاً للكافر بظاهره في الدنيا. والذي يظهر أنها في عصاة المؤمنين الذين يتوبون حال اليأس من الحياة، لأن المنافقين مندرجون في قوله :﴿وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ فهم قسم من الكفار لا قسيم لهم. وقيل : إنما التوبة على الله في الصغائر، وليست التوبة للذين يعملون السيئات في الكبائر، ولا الذين يموتون وهم كفار في الكفر.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٢
﴿أَلِيمًا * يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَآءَ كَرْهًا ﴾ قال ابن عباس، وعكرمة، والحسن، وأبو مجلز : كان أولياء الميت أحق بامرأته من أهلها، إن شاؤوا تزوجها أحدهم، أو زوجوها غيرهم، أو منعوها. وكان ابنه من غيرها يتزوجها، وكان ذلك في الأنصار لازماً، وفي قريش مباحاً. وقال مجاهد : كان الابن الأكبر أحق بامرأة أبيه، إذا لم يكن ولدها. وقال السدي : إن سبق الولي فوضع ثوبه عليها كان أحق بها، أو سبقته إلى أهلها كانت أحق بنفسها، فأذهب الله ذلك بهذه الآية.
والخطاب على هذا للأولياء نهو أن يرثوا النساء المخلفات عن الموتى كما يورث المال. والمراد نفي الوراثة في حال الطوع والكراهة، لا جوازها في حال الطوع استدلالاً بالآية، فخرج هذا الكره مخرج الغالب، لأن غالب أحوالهن أن يكنّ مجبورات على ذلك إذ كان أولياؤه أحق بها من أولياء نفسها. وقيل : هو إمساكهن دون تزويج حتى يمتن فيرثون أموالهن، أو في حجرة يتيمة لها مال فيكره أن يزوجها غيره محافظة على مالها، فيتزوجها كرهاً لأجله. أو تحته عجوز ذات مال، ويتوق إلى شابة فيمسك العجوز لمالها، ولا يقربها حتى تفتدي منه بمالها، أو تموت فيرث مالها. والخطاب للأزواج، وعلى هذا القول وما قبله يكون الموروث مالهن، لا هن. وانتصب كرهاً على أنه مصدر في موضع الحال من النساء، فيقدر باسم فاعل أي : كإرهاب، أو باسم مفعول أي : مكرهات. وقرأ الحرميان وأبو عمرو : وبفتح الكاف، حيث وقع وحمزة والكسائي بضمها، وعاصم وابن عامر بفتحها في هذه السورة وفي التوبة، وبضمها في الأحقاف وفي المؤمنين، وهما لغتان : كالصمت والصمت قاله : الكسائي والأخفش وأبو علي. وقال الفراء : الفتح بمعنى الإكراه، والضم من فعلك تفعله كارهاً له من غير مكره كالأشياء التي فيها مشقة وتعب، وقاله : أبو عمرو بن العلاء وابن قتيبة أيضاً. وتقدّم الكلام عليه في قوله :﴿وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ﴾ في البقرة. وقرىء : لا تحل لكم بالتاء على تقدير لا نحل لكم الوراثة، كقراءة من قرأ :﴿ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلا أَن قَالُوا ﴾ أي إلا مقالتهم، وانتصاب النساء على أنه مفعول به إمّا لكونهن هن أنفسهن الموروثات، وإما على حذف مضاف أي : أموال النساء.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٢
﴿وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ﴾ أي لا تحبسوهن
٢٠٢


الصفحة التالية
Icon