ولا تضيقوا عليهن. وظاهر هذا الخطاب أنه للأزواج لقوله : ببعض ما آتيتموهن، لأن الزوج هو الذي أعطاها الصداق. وكان يكره صحبة زوجته ولها عليه مهر، فيحبسها ويضربها حتى تفتدي منه قاله : ابن عباس وقتادة والضحاك والسدي. أو ينكح الشريفة فلا توافقه، فيفارقها على أن لا تتزوج إلا بإذنه، ويشهد على ذلك، فإذا خطبت وأرضته أذن لها، وإلا عضلها قاله : ابن زيد. أو كانت عادتهم منع المطلقة من الزوج ثلاثاً فنهوا عن ذلك. وقيل : هو خطاب للأولياء كما بين في قوله :﴿لا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَآءَ كَرْهًا ﴾ ويحتمل أن يكون الخطاب للأولياء والأزواج في قوله :﴿ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ فلقوا في هذا الخطاب، ثم أفرد كل في النهي بما يناسبه، فخوطب الأولياء بقوله : لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً، وخوطب الأزواج بقوله : ولا تعضلوهن، فعاد كل خطاب إلى من يناسبه. وتقدّم تفسير العضل في البقرة في قوله :﴿فَلا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ والباء في ببعض ما آتيتموهن للتعدية، أي : لتذهبوا بعض ما آتيتموهن. ويحتمل أن تكون الباء للمصاحبة أي : لتذهبوا مصحوبين ببعض ما آتيتموهن.
﴿إِلا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾ هذا استثناء متصل، ولا حاجة إلى دعوى الانقطاع فيه كما ذهب إليه بعضهم. وهو استثناء من ظرف زمان عام، أو من علة. كأنه قيل : ولا تعضلوهن في وقت من الأوقات إلا وقت أن يأتين. أو لا تعضلوهن لعلة من العلل إلا لأن يأتين. والظاهر أن الخطاب بقوله : ولا تعضلوهن للأزواج إذ ليس للولي حبسها حتى يذهب بمالها إجماعاً من الأمة، وإنما ذلك للزوج على ما تبين.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٢
والفاحشة هنا الزنا قاله : أبو قلابة والحسن. قال الحسن : إذا زنت البكر جلدت مائة ونفيت سنة، وردت إلى زوجها ما أخذت منه. وقال أبو قلابة : إذا زنت امرأة الرجل فلا بأس أن يضارّها ويشق عليها حتى تفتدي منه. وقال السدي : إذا فعلن ذلك فخذوا مهورهن. وقال عطاء : كان هذا الحكم ثم نسخ بالحدود. وقال ابن سيرين وأبو قلابة : لا يحل الخلع حتى يوجد رجل على بطنها. وقال قتادة : لا يحل له أن يحبسها ضراراً حتى تفتدي منه، يعني : وإن زنت. وقال ابن عباس وعائشة والضحاك وغيرهم : الفاحشة هنا النشوز، فإذا نشزت حل له أن يأخذ مالها، وهذا مذهب مالك وقال قوم : الفاحشة البدء باللسان وسوء العشرة قولاً وفعلاً وهذا في معنى النشوز. والمعنى : إلا أن يكون سوء العشرة من جهتين، فيجوز أخذ مالهن على سبيل الخلع. ويدل على هذا المعنى قراءة أبي : إلا أن يفحشن عليكم، وقراءة ابن مسعود : إلا أن يفحشن وعاشروهن، وهما قراءتان مخالفتان لمصحف الإمام، وكذا ذكر الداني عن ابن عباس وعكرمة. والذي ينبغي أن يحمل عليه أن ذلك على سبيل التفسير والإيضاح، لا على أن ذلك قرآن. ورأى بعضهم أن لا يتجاوز ما أعطاها ركوناً لقوله :﴿لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ﴾ وقال مالك : للزوج أن يأخذ من الناشز جميع ما تملكه. وظاهر الاستثناء يقتضي إباحة العضل له ليذهب ببعض ما أعطاها لأكله، ولا ما لم يعطها من ماله إذا أتت بالفاحشة المبينة. وقرأ ابن كثير وأبو
٢٠٣


الصفحة التالية
Icon