وقد تضمنت هذه الآيات من الفصاحة والبديع فنوناً التجنيس المغاير في : أن يصالحا بينهما صلحاً، وفي : فلا تميلوا كل الميل، وفي : فقد ضل ضلالاً، وفي : كفروا وكفروا. والتجنيس المماثل في : ويستفتونك ويفتيكم، وفي : صلحاً والصلح، وفي : جامع وجميعاً. والتكرار في : لفظ النساء، وفي لفظ يتامى، واليتامى، ورسوله، ولفظ الكتاب، وفي آمنوا ثم كفروا، وفي المنافقين. والتشبيه في : كالمعلقة. واللفظ المحتمل للضدين في : ترغبون أن تنكحوهن. والاستعارة في : نشوزاً، وفي : وأحضرت الأنفس الشح، وفي : فلا تميلوا، وفي : قوامين، وفي : وإن تلووا أو تعرضوا، وفي : ازدادوا كفراً ولا ليهديهم سبيلاً، وفي : يتربصون، وفي : فتح من الله، وفي : ألم نستحوذ، وفي : سبيلاً. وهذه كلها للأجسام استعيرت للمعاني. والطباق في : غنياً أو فقيراً، وفي : فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا واتباع الهوى جور وفي الكافرين والمؤمنين. والاختصاص في : بما تعملون خبيراً خص العمل. والالتفات في : وقد نزل عليكم إذا كان الخطاب للمنافقين. والحذف في مواضع.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٥٧
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٦
الكسل : التثاقل، والتثبط، والفتور عن الشيء. ويقال : أكسل الرجل إذا جامع فأدركه الفتور ولم ينزل. الذبذبة : الاضطراب بحيث لا يبقى على حال، قاله : ابن عرفة والتردد بين الأمرين. وقال النابغة :
ألم تر أن الله أعطاك سورةترى كل ملك دونها يتذبذب
٣٧٦
وقال آخر :
خيال لأم السلسبيل ودونهامسيرة شهر للبريد المذبذب
بكسر الثانية. قال ابن جني : أي القلق الذي لا يثبت. قيل : وأصله الذب، وهو ثلاثي الأصل ضعف فقيل : ذبب، ثم أبدل من أحد المضعفين وهي الباء الثانية ذالاً فقيل ذبذب، وهذا على أصل الكوفيين. وأما البصريون فهو عندهم رباعي كدحرج.
﴿إِنَّ الْمُنَـافِقِينَ يُخَـادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَـادِعُهُمْ﴾ تقدم تفسير يخادعون الله في أوّل البقرة. ومعنى وهو خادعهم : أي منزل الخداع بهم، وهذه عبارة عن عقوبة سماها باسم الذنب. فعقوبتهم في الدنيا ذلهم وخوفهم، وفي الآخرة عذاب جهنم قاله ابن عطية. وقال الحسن، والسدي، وابن جريج، وغيرهم من المفسرين : هذا الخداع هو أنه تعالى يعطي هذه الأمّة يوم القيامة نوراً لكل إنسان مؤمن أو منافق، فيفرح المنافقون ويظنون أنهم قد نجوا، فإذا جاؤوا إلى الصراط طفىء نور كل منافق، ونهض المؤمنون. وذلك قول المنافقين : انظرونا نقتبس من نوركم وذلك هو الخداع الذي يجري على المنافقين.
وقال الزمخشري : وهو خادعهم، وهو فاعل بهم ما يفعل الغالب في الخداع، حيث تركهم معصومين الدماء والأموال في الدنيا، وأعد لهم الدرك الأسفل من النار في الآخرة، ولم يخلهم في العاجل من فضيحة وإحلال بأس ونقمة ورعب دائم. والخادع من خدعته إذا غلبته، وكنت أخدع منه انتهى. وبعضه مسترق من كلام الزجاج. قال الزجاج : لما أمر بقبول ما أظهروا كان خادعاً لهم بذلك. وقرأ مسلمة بن عبد الله النحوي : خادعْهم بإسكان العين على التخفيف، واستثقال الخروج من كسر إلى ضم. وهذه الجملة معطوفة على خبر إن. وقال أبو البقاء : هو في موضع الحال.
﴿إِنَّ الْمُنَـافِقِينَ يُخَـادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَـادِعُهُمْ﴾ أي متوانين لا نشاط لهم فيها، لأنهم إنما يصلون تستراً وتكلفاً، وينبغي للمؤمن أن يتحرز من هذه الخصلة التي ذمّ المنافقون، وأن يقبل إلى صلاته بنشاط وفرغ قلب وتمهل في فعلها، ولا يتقاعس عنها فعل المنافق الذي يصلي على كرهٍ لاعن طيب نفس ورغبة. وما زال في كل عصر منافقون يتسترون بالإسلام، ويحضرون الصلوات كالمتفلسفين الموجودين في عصرنا هذا، وقد أشار بعض علمائنا إليهم في شعر قاله وضمن فيه بعض الآية، فقال في أبي الوليد بن رشد الحفيد وأمثاله من متفلسفة الإسلام :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٦
لأشياع الفلاسفة اعتقاديرون به عن الشرح انحلالا
أباحوا كل محظور حراموردّوه لأنفسهم حلالا
وما انتسبوا إلى الإسلام إلالصون دمائهم أن لا تسالا
فيأتون المناكر في نشاطويأتون الصلاة وهم كسالى
وقرأ الجمهور : كسالى بضم الكاف، وهي لغة أهل الحجاز. وقرأ الأعرج : كسالى بفتح الكاف وهي لغة تميم وأسد. وقرأ ابن المسيمقع : كسلى على وزن فعلى، وصف بما يوصف به المؤنث المفرد على مراعاة الجماعة كقراءة. ﴿وَتَرَى النَّاسَ سُكَـارَى ﴾.