﴿وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِى السَّبْتِ﴾ تقدّم ذكره عند اعتدائهم في قوله :﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِى السَّبْتِ﴾. وقرأ ورش لا تعدوا بفتح العين وتشديد الدال، على أنّ الأصل تعتدوا، فألقيت حركة التاء على العين، وأدغمت التاء في الدال. وقرأ قالون : بإخفاء حركة العين وتشديد الدال، والنص بالإسكان. وأصله أيضاً لا تعتدوا. وقرأ الباقون من السبعة : لا تعدوا بإسكان العين وتخفيف الدال من عدي يعدو. وقال تعالى :﴿إِذْ يَعْدُونَ فِى السَّبْتِ﴾ وقرأ الأعمش والأخفش : لا تعتدوا من اعتدى.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٦
﴿وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَـاقًا غَلِيظًا﴾ قيل : هو الميثاق الأول في قوله :﴿بِمِيثَـاقِهِمْ﴾ ووصف بالغلظ للتأكيد، وهو المأخوذ على لسان موسى وهارون أن يأخذوا التوراة بقوة، ويعملوا بجميع ما فيها، ويوصلوه إلى أبنائهم. وقيل : هذا الميثاق غير الأوّل، وهو الميثاق الثاني الذي أخذ على أنبيائهم بالتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلّم والإيمان به، وهو المذكور في قوله :﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَـاقَ النَّبِيِّـانَ لَمَآ ءَاتَيْتُكُم مِّن كِتَـابٍ﴾ الآية.
﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَـاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بآيات اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الانابِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفُا﴾ قال ابن عطية فيما لخصناه من كلامه، هذا إخبار عن أشياء واقعوها في الضد مما أخذوا به، نقضوا الميثاق الذي رفع عليهم الطور بسببه، وجعلوا بدل الإيمان الذي تضمنه الأمر بدخول الباب سجداً المتضمن التواضع الذي هو ثمرة الإيمان، كفرهم بآيات الله، وبذل الطاعة، وامتثال موافقته، في أن لا يعدوا في السبت انتهاك أعظم الحرم، وهو قتل الأنبياء، وقابلوا أخذ الميثاق الغليظ بتجاهلهم وقولهم : قلوبنا غلف : أي : في حجب، وغلف : فهي لا تفهم. وأضرب الله تعالى عن قولهم وكذبهم، وأخبر تعالى أنه قد طبع عليها بسبب كفرهم انتهى. والميثاق المنقوض : أهو كتمانهم صفة الرسول وتكذيبه فيما جاء به ؟ أو تركهم العمل بما في كتابهم ؟ مع أنهم قبلوا والتزموا العمل بها قولان. وآيات الله التي كفروا بها أهي التي أنزلت عليهم في كتبهم ؟ أو جميع كتب الله المنزلة ؟ قولان. وتقدم شرح قلوبنا غلف في البقرة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٦
﴿بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ﴾ أدغم لام بل في طاء طبع الكسائي وحمزة، وأظهرها باقي السبعة. وقال الزجاج : بل طبع الله عليها بكفرهم خبر معناه الذم، على أنَّ قلوبهم بمنزلة المطبوع عليها التي لا تفهم أبداً ولا تطيع مرسلاً. وقال الزمخشري : أرادوا بقولهم : قلوبنا غلف، أي أن الله خلق قلوبنا غلفاً، أي : في أكنة لا يتوصل إليها بشيء من الذكر والموعظة، كما حكى الله عن المشركين :﴿وَقَالُوا لَوْ شَآءَ الرَّحْمَـانُ مَا عَبَدْنَـاهُم﴾ وتكذيب المجبرة أخزاهم الله فقيل لهم : خذ لها الله ومنعها الألطاف بسبب كفرهم، فصارت كالمطبوع عليها، لا أن تخلق غلفاً قابلة الذكر، ولا متمكنة من قبوله انتهى. وهو على مذهبه الاعتزالي. وأما أهل السنة فيقولون : إن الله طبع عليها حقيقة كما أخبر تعالى إذ لا خالق غيره. والباء في فبما نقضهم تتعلق بمحذوف قدره الزمخشري : فعلنا بهم ما فعلناه. وقدره ابن عطية : لعناهم وأذللناهم، وحتمنا على الوافين منهم الخلود في جهنم. قال ابن عطية : وحذف جواب هذا الكلام بليغ متروك مع ذهن السامع انتهى. وتسمية ما يتعلق به المجرور بأنه جواب اصطلاح لم يعهد في علم النحو، ولا تساعده اللغة، لأنه ليس بجواب. وجوزوا أن يتعلق بقوله :﴿حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ﴾ على أن قوله :﴿فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا ﴾ بدل من قوله : فبما نقضهم ميثاقهم، وقاله الزجاج، وأبو بكر، والزمخشري، وغيرهم. وهذا فيه بعد لكثرة الفواصل بين البدل والمبدل منه، ولأن المعطوف على السبب سبب، فيلزم تأخر بعض أجزاء السبب الذي للتحريم في الوقت عن وقت التحريم، فلا يمكن أن يكون جزء سبب أو مسبباً إلا بتأويل بعيد وبيان ذلك أن قولهم على مريم بهتاناً عظيماً، وقولهم : إنا قتلنا المسيح، متأخر في الزمان عن
٣٨٨
تحريم الطيبات عليهم، فالأولى أن يكون التقدير : لعناهم، وقد جاء مصرحاً به في قوله :﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَـاقَهُمْ لَعَنَّـاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً﴾.
﴿فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا﴾ تقدم تفسير هذه الجملة فأغنى عن إعادته.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٦