﴿وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَـانًا عَظِيمًا﴾ الظاهر في قوله : وبكفرهم، وقولهم أنه معطوف على قوله : فبما نقضهم وما بعده. على أن الزمخشري أجاز أن يكون قوله : وبكفرهم وقولهم، معطوفاً على بكفرهم. وتكرار نسبة الكفر إليهم بحسب متعلقاته، إذ كفروا بموسى، ثم بعيسى، ثم بمحمد عليه السلام، فعطف بعض كفرهم على بعض. قال الزمخشري : أو عطف مجموع المعطوف على مجموع المعطوف عليه، كأنه قيل : على بعض. قال الزمخشري : أو عطف مجموع المعطوف على مجموع المعطوف عليه، كأنه قيل : فيجمعهم بين نقض الميثاق والكفر بآيات الله وقتلهم الأنبياء وقولهم :﴿قُلُوبُنَا غُلْفُا﴾، وجمعهم بين كفرهم ويهتهم مريم، وافتخارهم بقتل عيسى عليه السلام، عاقبناهم. أو بل طبع الله عليها وجمعهم بين كفرهم، وكذا وكذا. وقال الزمخشري أيضاً :(فإن قلت) : هلا زعمت أنّ المحذوف الذي تعلقت به الباء ما دل عليه قوله : بل طبع الله عليها بكفرهم ؟ (قلت) : لم يصح هذا التقدير، لأن قوله : بل طبع الله عليها بكفرهم، ردّ وإنكار لقولهم : قلوبنا غلف، فكان متعلقاً به انتهى. وهو جواب حسن، ويمتنع من وجه آخر وهو أنّ العطف ببل يكون للإضراب عن الحكم الأول، وإثباته للثاني على جهة إبطال الأول، أو الانتقال عاماً في كتاب الله في الإخبار، فلا يكون إلا للانتقال. ويستفاد من الجملة الثانية ما لا يستفاد من الجملة الأولى. والذي قدّره الزمخشري لا يسوغ فيه هذا الذي قرّرناه، لأن قوله : فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله، وقولهم : قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم، فأفادت الجملة الثانية ما أفادت الجملة الأولى وهو لا يجوز. لو قلت : مر زيد بعمرو، بل مر زيد بعمرو، لم يجز. وقد أجاز ذلك أبو البقاء وهو أن يكون التقدير : فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله، وكذا طبع على قلوبهم. وقيل : التقدير فيما نقضهم ميثاقهم لا يؤمنون إلا قليلاً، والفاء مقحمة. وما في قوله : فبما نقضهم كهي في قوله :﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ﴾ وتقدّم الكلام فيها. والبهتان العظيم رميهم مريم عليها السلام بالزنا مع رؤيتهم الآية في كلام عيسى عليه السلام في المهد. قال ابن عطية : وإلا فلولا الآية لكانوا في قولهم جارين على حكم البشر في إنكار حمل من غير ذكر انتهى. ووصف بالعظم لأنهم تمادوا عليه بعد ظهور الآية وقيام المعجزة بالبراءة، وقد جاءت تسمية الرمي بذلك بهتاناً عظيماً في قوله :﴿سُبْحَـانَكَ هذا بُهْتَـانٌ عَظِيمٌ﴾.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٦
﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ﴾ الظاهر أن رسول الله من قولهم قالوا ذلك على سبيل الاستهزاء، كقول فرعون أن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون وقوله :﴿إِنَّكَ لانتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ ويجوز أن يكون من كلام الله تعالى وضع الذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح في الحكاية عنه رفعاً لعيسى عليه السلام، كما كانوا يذكرونه به. ذكر الوجهين الزمخشري، ولم يذكر ابن عطية سوى الثاني قال : هو إخبار من الله تعالى بصفة عيسى عليه السلام، وهي الرسالة على جهة إظهار ذنب هؤلاء المقرين بالقتل ولزمهم الذنب، وهم لم يقتلوا عيسى، لأنهم صلبوا ذلك الشخص على أنه عيسى، وعلى أن عيسى كذاب ليس برسول. ولكن لزمهم الذنب من حيث اعتقدوا أنّ قتلهم وقع في عيسى، فكأنهم قتلوه، وليس يدفع الذنب عنهم اعتقادهم أنه غير رسول.
﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ﴾ هذا إخبار منه تعالى بأنهم ما قتلوا عيسى وما صلبوه.
واختلف الرواة في
٣٨٩
كيفية القتل والصلب، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم في ذلك شيء غير ما دل عليه القرآن.