قيل : وتضمنت هذه الآيات أنواعاً من الفصاحة والبديع. فمنها التجنيس المغاير في : يخادعون وخادعهم، وشكرتم وشاكراً. والمماثل في : وإذا قاموا. والتكرار في : اسم الله، وفي : هؤلاء وهؤلاء، وفي : ويرون ويريدون، وفي : الكافرين والكافرين، وفي : أهل الكتاب وكتاباً، وفي : بميثاقهم وميثاقاً. والطباق في : الكافرين والمؤمنين، وفي : إن تبدوا أو تخفوه، وفي : نؤمن ونكفر، والاختصاص في : إلى الصلاة، وفي : الدرك الأسفل، وفي : الجهر بالسوء. والإشارة في مواضع. الاستعارة في : يخادعون الله وهو خادعهم استعار اسم الخداع للمجازاة وفي : سبيلاً، وفي سلطاناً لقيام الحجة والدرك الأسفل لانخفاض طبقاتهم في النار، واعتصموا للالتجاء، وفي : أن يفرقوا، وفي : ولم يفرّقوا وهو حقيقة في الأجسام استعير للمعاني، وفي : سلطاناً استعير للحجة، وفي : غلف وبل طبع الله. وزيادة الحرف لمعنى في : فبما نقضهم، وإسناد الفعل إلى غير فاعله في : فأخذتهم الصاعقة وجاءتهم البينات وإلى الراضي به وفي : وقتلهم الأنبياء، وفي : وقولهم على مريم بهتاناً وقولهم إنا قتلنا المسيح. وحسن النسق في : فبما نقضهم ميثاقهم والمعاطيف
٣٩٣
عليه حيث نسقت بالواو التي تدل على الجميع فقط. وبين هذه الأشياء أعصار متباعدة فشرك أوائلهم وأواخرهم لعمل أولئك ورضا هؤلاء. وإطلاق اسم كل على بعض وفي : كفرهم بآيات الله وهو القرآن والإنجيل ولم يكفروا بشيء من الكتب إلا بهما وفي قولهم إنا قتلنا ولم يقل ذلك إلا بعضهم. والتعريض في رسول الله إذا قلنا أنه من كلامهم. والتوجيه في غلف من احتمال المصدر جمع غلاف أو جمع أغلف. وعود الضمير على غير مذكور وهو في ليؤمنن به قبل موته على من جعلهما لغير عيسى. والنقل من صيغة فاعل إلى فعيل في شهيد. والحذف في مواضع.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٦
الغلو : تجاوز الحد. ومنه غلا السعر وغلوة السهم. الاستنكاف : الأنفة والترفع، من نكفت الدمع إذا نحيته بأصبعك من حدك، ومنعته من الجري قال :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩٤
فباتوا فلولا ما تدكر منهممن الحلق لم ينكف بعينك مدمع
وسئل أبو العباس عن الاستنكاف فقال : هو من النكف، يقال : ما عليه في هذا الأمر نكف ولا وكف، والنكف أن يقال له سوء، واستنكف دفع ذلك السوء.
﴿فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَـاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ المعنى : فبظلم عظيم، أو فيظلم أي ظلم. وحذف الصفة لفهم المعنى جائز كما قال : لقد وقعت على لحم أي لحم متبع، ويتعلق بحرمنا. وتقدم السبب على المسبب تنبيهاً على فحش الظلم وتقبيحاً له وتحذيراً منه. والطيبات هي ما ذكر في قوله :﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا ﴾ الألبان وبعض الطير والحوت، وأحلت لهم صفة الطيبات بما كانت عليه. وأوضح ذلك قراءة ابن عباس : طيبات كانت أحلت لهم.
﴿وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا﴾ أي ناساً كثيراً، فيكون كثيراً مفعولاً بالمصدر، وإليه ذهب الطبري. قال : صدوا بجحدهم أمر محمد صلى الله عليه وسلّم جمعاً عظيماً من الناس، أو صد كثيراً. وقدره بعضهم زماناً كثيراً.
﴿وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ﴾ وهذه جملة حالية تفيد تأكيد قبح فعلهم
٣٩٤
وسوء صنيعهم، إذ ما نهى الله عنه يجب أن يبعد عنه. قالوا : والربا محرم في جميع الشرائع.
﴿وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَـاطِلِ﴾ أي الرشا التي كانوا يأخذونها من سفلتهم في تحريف الكتاب. وفي هذه الآية فصلت أنواع الظلم الموجب لتحريم الطيبات. قيل : كانوا كلما أحدثوا ذنباً حرم عليهم بعض الطيبات، وأهمل هنا تفصيل الطيبات، بل ذكرت نكرة مبهمة. وفي المائدة فصل أنواع ما حرم ولم يفصل السبب. فقيل : ذلك جزيناهم ببغيهم، وأعيدت الباء في :﴿وَبِصَدِّهِمْ﴾ لبعده عن المعطوف عليه بالفصل بما ليس معمولاً للمعطوف عليه، بل في العامل فيه. ولم يعد في :﴿وَأَخْذِهِمُ﴾ وأكلهم لأن الفصل وقع بمعمول المعطوف عليه. ونظير إعادة الحرف وترك إعادته قوله :﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَـاقَهُمْ﴾ الآية. وبدىء في أنواع الظلم بما هو أهم، وهو أمر الدّين، وهو الصد عن سبيل الله، ثم بأمر الدنيا وهو ما يتعلق به الأذى في بعض المال، ثم ارتقى إلى الأبلغ في المال الدنيوي وهو أكله بالباطل أي مجاناً لا عوض فيه. وفي ذكر هذه الآية امتنان على وجه الأمة حيث لم يعاملهم معاملة اليهود فيحرم عليهم في الدنيا الطيبات عقوبة لهم بذنوبهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩٤


الصفحة التالية
Icon