معناهما من بهيمة الأنعام، وفي المستثنى منه والتقدير : إلا ما يتلى عليكم إلا الصيد وأنتم محرمون، بخلاف قوله :﴿إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ﴾ على ما يأتي بيانه وهو قول مستثنى مما يليه من الاستثناء. قال : ولو كان كذلك لوجب إباحة الصيد في الإحرام، لأنه مستثنى من المحظور إذا كان إلا ما يتلى عليكم مستثنى من الإباحة، وهذا وجه ساقط، فإذا معناه : أحلت لكم بهيمة الأنعام غير محلى الصيد وأنتم حرم إلا ما يتلى عليكم سوى الصيد انتهى. وقال ابن عطية : وقد خلط الناس في هذا الموضع في نصب غير، وقدروا
٤١٥
تقديمات وتأخيرات، وذلك كله غير مرضي، لأن الكلام على اطراده متمكن استثناء بعد استثناء انتهى كلامه. وهو أيضاً ممن خلط على ما سنوضحه.
فأمّا قول الأخفش : ففيه الفصل بين ذي الحال والحال بجملة اعتراضية، بل هي منشئة أحكاماً، وذلك لا يجوز. وفيه تقييد الإيفاء بالعقود بانتفاء إحلال الموفين الصيد وهم حرم، وهم مأمورون بإيفاء العقود بغير قيد، ويصير التقدير : أوفوا بالعقود في حال انتفاء كونكم محلين الصيد وأنتم حرم، وهم قد أحلت لهم بهيمة الأنعام أنفسها. وإنْ أريد به الظباء وبقر الوحش وحمره فيكون المعنى : وأحل لكم هذه في حال انتفاء كونكم محلين الصيد وأنتم حرم، وهذا تركيب قلق معقد، ينزه القرآن أن يأتي فيه مثل هذا. ولو أريد بالآية هذا المعنى لجاء على أفصح تركيب وأحسنه. وأما قول : من جعله حالاً من الفاعل. وقدّره : وأحل الله لكم بهيمة الأنعام غير محل لكم الصيد وأنتم حرم، قال كما تقول : أحلت لك كذا غير مبيحه لك يوم الجمعة، فهو فاسد. لأنهم نصوا على أنّ الفاعل المحذوف في مثل هذا التركيب يصير نسياً منسياً، ولا يجوز وقوع الحال منه. لو قلت : أنزل المطر للناس مجيباً لدعائهم، إذ الأصل أنزل الله المطر مجيباً لدعائهم لم يجز، وخصوصاً على مذهب الكوفيين ومن وافقهم من البصريين، لأن صيغة الفعل المبني للمفعول صيغة وضعت أصلاً كما وضعت صيغته مبنياً للفاعل، وليست مغيرة من صيغة بنيت للفاعل، ولأنه يتقيد إحلاله تعالى بهيمة الأنعام إذا أريد بها ثمانية الأزواج بحال انتفاء إحلاله الصيد وهم حرم، وهو تعالى قد أحلها في هذه الحال وفي غيرها.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٠٩
وأما ما نقله القرطبي عن البصريين، فإنْ كان النقل صحيحاً فهو يتخرج على ما سنوضحه إن شاء الله تعالى، فنقول : إنما عرض الإشكال في الآية من جعلهم غير محلى الصيد حالاً من المأمورين بإيفاء العقود، أو من المحلل لهم، أو من المحلل وهو الله تعالى، أو من المتلو عليهم. وغرّهم في ذلك كونه كتب محلى بالياء، وقدّره هم أنه اسم فاعل من أحل، وأنه مضاف إلى الصيد إضافة اسم الفاعل المتعدي إلى المفعول، وأنه جمع حذف منه النون للإضافة. وأصله : غير محلين الصيد وأنتم حرم، إلا في قول من جعله حالاً من الفاعل المحذوف، فلا يقدر فيه حذف النون، بل حذف التنوين. وإنما يزول الإشكال ويتضح المعنى بأن يكون قوله : محلى الصيد، من باب قولهم : حسان النساء. والمعنى : النساء الحسان، وكذلك هذا أصله غير الصيد المحل. والمحل صفة للصيد لا للناس، ولا للفاعل المحذوف. ووصف الصيد بأنه محل على وجهين : أحدهما : أنْ يكون معناه دخل في الحل كما تقول : أحل الرّجل أي : دخل في الحل، وأحرم دخل في الحرم. والوجه الثاني : أن يكون معناه صار ذا حل، أي حلالاً بتحليل الله. وذلك أن الصيد على قسمين : حلال، وحرام. ولا يختص الصيد في لغة العرب بالحلال. ألا ترى إلى قول بعضهم : إنه ليصيد الأرانب حتى الثعالب
٤١٦
لكنه يختص به شرعاً ؟ وقد تجوزت العرب فأطلقت الصيد على ما يوصف بحل ولا حرمة نحو قوله :
ليث بعثر يصطاد الرجال إذاما كذب الليث عن أقرانه صدقا
وقال آخر :
وقد ذهبت سلمى بعقلك كلهفهل غير صيد أحرزته حبائله
وقال آخر :
وميّ تصيد قلوب الرّجالوأفلت منها ابن عمر وحجر
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٠٩