أصله الشنآن، فحذف الهمزة ونقل حركتها إلى الساكن قبلها. والوصف في فعلان أكثر من المصدر نحو رحمان. وقرأ أبو عمرو، وابن كثير : إنْ صدوكم بكسر الهمزة على أنها شرطية، ويؤيد قراءة ابن مسعود : إنْ صدوكم وأنكر ابن جرير والنحاس وغيرهما قراءة كسران، وقالوا : إنما صد المشركون الرسول والمؤمنون عام الحديبية، والآية نزلت عام الفتح سنة ثمان، والحديبية سنة ست، فالصد قبل نزول الآية، والكسر يقتضي أن يكون بعد، ولأنّ مكة كانت عام الفتح في أيدي المسلمين، فكيف يصدون عنها وهي في أيديهم ؟ وهذا الإنكار منهم لهذه القراءة صعب جداً، فإنها قراءة متواترة، إذ هي في السبعة، والمعنى معها صحيح، والتقدير : إن وقع صدّ في المستقبل مثل ذلك الصد الذي كان زمن الحديبية، وهذا النهي تشريع في المستقبل. وليس نزول هذه الآية عام الفتح مجمعاً عليه، بل ذكر اليزيدي أنها نزلت قبل أن يصدّوهم، فعلى هذا القول يكون الشرط واضحاً. وقرأ باقي السبعة : أن بفتح الهمزة جعلوه تعليلاً للشنآن، وهي قراءة واضحة أي : شنآن قوم من أجل أنْ صدوكم عام الحديبية عن المسجد الحرام. والاعتداء الانتقام منهم بإلحاق المكروه بهم.
﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ لما نهى عن الاعتداء بأمر بالمساعدة والتظافر على الخير، إذ لا يلزم من النهي عن الاعتداء التعاون على الخير، لأنّ بينهما واسطة وهو الخلو عن الاعتداء والتعاون. وشرح الزمخشري البر والتقوى بالعفو والإغضاء، قال : ويجوز أن يراد العموم لكل بر وتقوى، فيتناول العفو انتهى. وقال قوم : هما بمعنى واحد،
٤٢٢
وكرر لاختلاف اللفظ تأكيداً. قال ابن عطية : وهذا تسامح، والعرف في دلالة هذين اللفظين يتناول الواجب والمندوب إليه، والتقوى رعاية الواجب. فإن جعل أحدهما بدل الآخر فتجوّز انتهى. وقال ابن عباس : البر ما ائتمرت به، والتقوى ما نهيت عنه. وقال سهل : البر الإيمان، والتقوى السنة. يعني : اتباع السنة.
﴿وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الاثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ الإثم : المعاصي، والعدوان : التعدي في حدود الله قاله عطاء. وقيل : الإثم الكفر، والعصيان والعدوان البدعة. وقيل : الإثم الحكم اللاحق للجرائم، والعدوان ظلم الناس قاله : ابن عطية. وقال الزمخشري : الإثم والعدوان الانتقام والتشفي قال : ويجوز أن يراد العموم لكل إثم وعدوان.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٠٩
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ أمر بالتقوى مطلقة، وإن كان قد أمر بها في التعاون تأكيداً لأمرها، ثم علل ذلك بأنه شديد العقاب. فيجب أن يتقى وشدّة عقابه بكونه لا يطيقه أحد ولاستمراره، فإن غالب الدنيا منقض. وقال مجاهد : نزلت نهياً عن الطلب بدخول الجاهلية إذ أراد قوم من المؤمنين ذلك، ولقد قيل : ذلك حليف لأبي سفيان من هذيل.
﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ تقدم مثل هذه الجملة في البقرة. وقال هنا ابن عطية : ولحم الخنزير مقتض لشحمه بإجماع انتهى. وليس كذلك، فقد خالف فيه داود وغيره، وتكلمنا على ذلك في البقرة، وتأخر هنا به وتقدم هناك تفنناً في الكلام واتساعاً، ولكون الجلالة وقعت هناك فصلاً أولاً كالفصل، وهنا جاءت معطوفات بعدها، فليست فصلاً ولا كالفصل، وما جاء كذلك يقتضي في أكثر المواضع المد.
﴿وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ﴾ تقدم شرح هذه الألفاظ في المفردات. قال ابن عباس وقتادة : كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة وغيرها، فإذا ماتت أكلوها. وقال أبو عبد الله : ليس الموقوذة إلا في ملك، وليس في صيد وقيذ. وقال مالك وغيره من الفقهاء في : الصيد ما حكمه حكم الوقيذ، وهو نص في قول النبي صلى الله عليه وسلّم في المعراض :"وإذا أصاب بعرضه فلا تأكل فإنه وقيذ". وقال ابن عباس، وقتادة، والسدي، والضحاك : النطيحة الشاة تنطحها أخرى فيموتان، أو الشاة تنطحها البقر والغنم. وقال قوم : النطيحة المناطحة، لأن الشاتين قد يتناطحان فيموتان. قال ابن عطية : كل ما مات ضغطاً فهو نطيح. وقرأ عبد الله وأبو ميسرة : والمنطوحة والمعنى في قوله وما أكل السبع : ما افترسه فأكل منه. ولا يحمل على ظاهره، لأن ما فرض أنه أكله السبع لا وجود له فيحرم أكله، ولذلك قال الزمخشري : وما أكل السبع بعضه، وهذه كلها كان أهل الجاهلية يأكلونها. وقرأ الحسن والفياض، وطلحة بن سلمان، وأبو حيوة : السبع بسكون الباء، ورويت عن أبي بكر عن عاصم في غير المشهور، ورويت عن أبي عمرو. وقرأ عبد الله : وأكيلة السبع. وقرأ ابن عباس : وأكيل السبع وهما بمعنى مأكول السبع، وذكر هذه المحرمات هو تفصيل لما أجمل في عموم قوله :﴿إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ وبهذا صار المستثنى منه والمستثنى معلومين.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٠٩


الصفحة التالية
Icon