﴿إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ قال علي، وابن عباس، والحسن، وقتادة، وابراهيم، وطاووس، وعبيد بن عمير، والضحاك، وابن زيد، والجمهور : هو راجع إلى المذكورات أي من قوله : والمنخنقة إلى وما أكل السبع. فما أدرك منها بطرف بعض، أو بضرب برجل، أو يحرك ذنباً. وبالجملة ما تيقنت فيه حياة ذكي وأكل. وقال بهذا مالك في قول، والمشهور عنه وعن أصحابه المدنيين : أنّ الذكاة في هذه المذكورات هي ما لم ينفذ مقاتلها ويتحقق أنها لا تعيش، ومتى صارت إلى ذلك كانت في حكم الميتة. وعلى هذين القولين فالاستثناء متصل، لكنه خلاف في الحال التي يؤثر فيها الذكاة في المذكورات. وكان الزمخشري مال إلى مشهور قول مالك فإنه قال : لا ما أدركتم ذكاته
٤٢٣
وهو يضطرب اضطراب المذبوح وتشخب وداجه. وقيل : الاستثناء متصل عائد إلى أقرب مذكور وهو ما أكل السبع ومختص به، والمعنى : إلا ما أدركتم فيه حياة مما أكل السبع فذكيتموه، فإنه حلال. وقيل : هو استثناء منقطع والتقدير : لكنْ ما ذكيتم من غير هذه فكلوه. وكان هذا القائل رأى أنّ هذه الأوصاف وجدت فيما مات بشيء منها، إما بالخنق، وإما بالوقذ، أو التردي، أو النطح، أو افتراس السبع، ووصلت إلى حد لا تعيش فيه بسب بوصف من هذه الأوصاف على مذهب من اعتبر ذلك، فلذلك كان الاستثناء منقطعاً. والظاهر أنه استثناء متصل، وإنما نص على هذه الخمسة وإن كان في حكم الميتة، ولم يكتف بذكر الميتة لأن العرب كانت تعتقد أنّ هذه الحوادث على المأكول كالذكاة، وأن الميتة ما ماتت بوجع دون سبب يعرف من هذه الأسباب. وظاهر قوله : إلا ما ذكيتم، يقتضي أنّ ما لا يدرك لا يجوز أكله كالجنين إذا خرج من بطن أمه المذبوحة ميتاً، إذا كان استثناء منقطعاً فيندرج في عموم الميتة، وهذا مذهب أبي حنيفة. وذهب الجمهور إلى جواز أكله. والحديث الذي استنبطوا منه الجواز حجة لأبي حنيفة لا لهم. وهو ﴿بِوَالِدَيْهِ إِحْسَـانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ﴾ المعنى على التشبيه أي ذكاة الجنين مثل ذكاة أمه كما ذكاتها الذبح فكذلك ذكاته الذبح ولو كان كما زعموا لكان التركيب ذكاة أم الجنين ذكاته.
﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ قال مجاهد وقتادة وغيرهما : هي حجارة كان أهل الجاهلية يذبحون عليها. قال ابن عباس : ويحلون عليها. قال ابن جريج : وليست بأصنام، الصنم مصور، وكانت العرب تذبح بمكة وينضحون بالدم ما أقبل من البيت، ويشرحون اللحم ويضعونه على الحجارة، فلما جاء الإسلام قال المسلمون : نحن أحق أنْ نعظم هذا البيت بهذه الأفعال، فكره ذلك الرسول صلى الله عليه وسلّم فنزلت. وما ذبح على النصب ونزل أن ينال الله لحومها ولا دماؤها انتهى. وكانت للعرب في بلادها أنصاب حجارة يعبدونها، ويحلون عليها أنصاب مكة، ومنها الحجر المسمى بسعد. قال ابن زيد : ما ذبح على النصب، وما أهل به لغير الله شيء واحد. وقال ابن عطية : ما ذبح على النصب جزء مما أهل به لغير الله، لكنْ خص بالذكر بعد جنسه لشهرة الأمر وشرف الموضع وتعظيم النفوس له. وقد يقال للصنم أيضاً : نصب، لأنه ينصب انتهى. وقرأ الجمهور : النُصُب بضمتين. وقرأ طلحة بن مصرف : بضم النون، وإسكان الصاد. وقرأ عيسى بن عمر : يفتحتين، وروي عنه كالجمهور. وقرأ الحسن : بفتح النون، وإسكان الصاد.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٠٩
﴿وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالازْلاَمِ﴾ هذا معطوف على ما قبله أي : وحرم عليكم الاستقسام بالأزلام، وهو طلب معرفة القسم، وهو النصيب أو القسم، وهو المصدر. قال ابن جريج : معناه أن تطلبوا على ما قسم لكم بالأزلام، أو ما لم يقسم لكم انتهى. وقال مجاهد : هي كعاب فارس والروم التي كانوا يتقامرون بها. وروي عنه أيضاً : أنها سهام العرب، وكعاب فارس، وقال سفيان ووكيع : هي الشطرنج. وقيل : الأزلام حصى كانوا يضربون بها، وهي التي أشار إليها الشاعر بقوله :
لعمرك ما تدري الضوارب بالحصىولا زاجرات الطير ما الله صانع
وروي هذا عن ابن جبير قالوا : وأزلام العرب ثلاثة أنواع : أحدها : الثلاثة التي يتخذها كل إنسان لنفسه في أحدها افعل وفي الآخر لا تفعل والثالث غفل فيجعلها في خريطة، فإذا أراد فعل شيء دخل يده في الخريطة منسابة، وائتمر بما خرج له من الآمر أو الناهي. وإن خرج الغفل أعاد الضرب. والثاني : سبعة قداح كانت عندها في جوف الكعبة، في أحدها العقل في أمر الديات من يحمله منهم فيضرب بالسبعة، فمن خرج عليه قدح العقل لزمه العقل، وفي آخر تصح، وفي آخر لا، فإذا أرادوا أمراً
٤٢٤
ضرب فيتبع ما يخرج، وفي آخر منكم، وفي آخر من غيركم، وفي آخر ملصق، فإذا اختلفوا في إنسان أهو منهم أمْ من غيرهم ضربوا فاتبعوا ما خرج، وفي سائرها لأحكام المياه إذا أرادوا أن يحفروا لطلب المياه ضربوا بالقداح، وفيها ذلك القداح، فحيث ما خرج عملوا به. وهذه السبعة أيضاً متخذة عند كل كاهن من كهان العرب وحكامهم على ما كانت في الكعبة عند هبل. والثالث : قداح الميسر وهي عشرة، وتقدم شرح الميسر في سورة البقرة.


الصفحة التالية
Icon