وتزوج عثمان بن عفان رضي الله عنه نايلة بنت الفرافصة الكلبية على نسائه، وتزوج طلحة بن عبد الله يهودية من الشام، وتزوج حذيفة يهودية. (فإن قلت) : يكون ثم محذوف أي : والمحصنات اللاتي كن كتابيات فأسلمن، ويكون قد وصفهن بأنهن من الذين أوتوا الكتاب باعتبار ما كن عليه كما قال :﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ﴾. وقال :﴿مِّنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ﴾ ثم قال بعد ﴿يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ﴾ (قلت) : إطلاق لفظ أهل الكتاب ينصرف إلى اليهود والنصارى دون المسلمين ودون سائر الكفار، ولا يطلق على مسلم أنه من أهل الكتاب، كما لا يطلق عليه يهودي ولا نصراني. فأما الآيتان فأطلق الاسم مقيداً بذكر الإيمان فيهما، ولا يوجد مطلقاً في القرآن بغير تقييد، إلا والمراد بهم اليهود والنصارى. وأيضاً فإنه قال : والمحصنات من المؤمنات، فانتظم ذلك سائر المؤمنات ممن كن مشركات أو كتابيات، فوجب أن يحمل قوله : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، على الكتابيات اللاتي لم يسلمن وإلاّ زالت فائدته، إذ قد اندرجن في قوله : والمحصنات من المؤمنات. وأيضاً فمعلوم من قوله تعالى :﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ حِلٌّ لَّكُمْ﴾ أنه لم يرد به طعام المؤمنين الذين كانوا من أهل الكتاب، بل المراد اليهود والنصارى، فكذلك هذه الآية.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٣٠
فإن قيل) : يتعلق في تحريم الكتابيات بقوله تعالى :﴿وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ (قيل) : هذا في الحربية إذا خرج زوجها مسلماً، أو الحربي تخرج امرأته مسلمة : ألا ترى إلى قوله :﴿يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا جَآءَكُمُ الْمُؤْمِنَـاتُ﴾ ولو سلمنا العموم لكان مخصوصاً بقوله : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، والظاهر جواز نكاح الحربية الكتابية لاندراجها في عموم. والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم. وخص ابن عباس هذا العموم بالذمية، فأجاز نكاح الذمية دون الحربية، وتلا قوله تعالى :﴿قَـاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ إلى قوله ﴿وَهُمْ صَـاغِرُونَ﴾ ولم يفرق غيره من الصحابة من الحربيات والذميات. وأما نصارى بني تغلب فمنع نكاح نسائهن عليّ وابراهيم
٤٣٢
وجابر بن زيد، وأجازه ابن عباس.
﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ﴾ أي مهورهن. وانتزع العلماء من هذا أنه لا ينبغي أن يدخل زوج بزوجته إلا بعد أن يبذل لها من المهر ما يستحلها به، ومن جوز أن يدخل دون بذل ذلك رأى أنه محكم الالتزام في حكم المؤتى. وفي ظاهر قوله : إذا آتيتموهن أجورهن، دلالة على أنّ إماء الكتابيات لسن مندرجات في قوله : والمحصنات، فيقوى أن يراد به الحرائر، إذ الإماء لا يعطون أجورهن، وإنما يعطي السيد. إلا أن يجوز فنجعل إعطاء السيد إعطاء لهن. وفيه دلالة أيضاً على أن أقل الصداق لا يتقدر، إذ سماه أجراً، والأجر في الإجارات لا يتقدر.
﴿مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَـافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ﴾ تقدم تفسيره نظيره في النساء.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٣٠