﴿وَمَن يَكْفُرْ بِالايمَـانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُه وَهُوَ فِى الاخِرَةِ مِنَ الْخَـاسِرِينَ﴾ سبب نزولها فيما رواه أبو صالح عن ابن عباس : أنه تعالى لما أرخص في نكاح الكتابيات قلن بينهن : لولا أن الله رضي ديننا وقبل عملنا لم يبح للمؤمنين تزويجنا، فنزلت. وقال مقاتل : فيما أحصن المسلمون من نكاح نساء أهل الكتاب يقول : ليس إحصان المسلمين إياهن بالذي يخرجهن من الكفر انتهى. ولما ذكر فرائض وأحكاماً يلزم القيام بها، أنزل ما يقتضي الوعيد على مخالفتها ليحصل تأكيد الزجر عن تضييعها. وقال القفال : ما معناه، لما حصلت لهم في الدنيا فضيلة مناكحة نسائهم، وأكل ذبائحهم، من الفرق في الآخرة بأنَّ من كفر حبط عمله انتهى. والكفر بالإيمان لا يتصور. فقال ابن عباس، ومجاهد : أي : ومن يكفر بالله. وحسن هذا المجاز أنه تعالى رب الإيمان وخالقه. وقال الكلبي : ومن يكفر بشهادة أن لا إله إلا الله، جعل كلمة التوحيد إيماناً. وقال قتادة : إن ناساً من المسلمين قالوا : كيف نتزوج نساءهم مع كونهم على غير ديننا ؟ فأنزل الله تعالى : ومن كفر بالإيمان، أي بالمنزل في القرآن، فسمي القرآن إيماناً لأنه المشتمل على بيان كل ما لا بد منه في الإيمان. قال الزجاج : معناه من أحل ما حرم الله، أو حرم ما أحل الله فهو كافر. وقال أبو سليمان الدمشقي : من جحد ما أنزله الله من شرائع الإسلام وعرفه من الحلال والحرام. وتبعه الزمخشري في هذا التفسير فقال : ومن يكفر بالإيمان أي : بشرائع الإسلام، وما أحل الله وحرم. وقال ابن الجوزي : سمعت الحسن بن أبي بكر النيسابوري يقول : إنما أباح الله الكتابيات لأن بعض المسلمين قد يعجبه حسنهن، فحذر نكاحهن من الميل إلى دينهن بقوله : ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله. وقرأ ابن السميقع : حبط بفتح الباء وهو في الآخرة من الخاسرين حبوط عمله وخسرانه. في الآخرة مشروط بالموافاة على الكفر.
﴿يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَواةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ نزلت في قصة عائشة رضي الله عنها حين فقدت العقد بسبب فقد الماء
٤٣٣
ومشروعية التيمم، وكان الوضوء متعذراً عندهم، وإنما جيء به للاستطراد منه إلى التيمم، وذلك في غزوة المريسيع وهي غزوة بني المصطلق، وفيها كان هبوب الريح وقول عبد الله بن أبي بن سلول : لئن رجعنا إلى المدينة وحديث الافك. وقال علقمة بن الفعواء وهو من الصحابة : إنها نزلت رخصة للرسول لأنه كان لا يعمل عملاً إلا على وضوء، ولا يكلم أحداً ولا يرد سلاماً على غير ذلك، فأعلمه الله أنّ الوضوء إنما هو عند القيام إلى الصلاة فقط دون سائر الأعمال.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٣٠
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما افتتح بالأمر بإيفاء العهود، وذكر تحليلاً وتحريماً في المطعم والمنكح واستقصى ذلك، وكان المطعم آكد من المنكح وقدمه عليه، وكان النوعان من لذات الدنيا الجسمية ومهماتها للإنسان وهي معاملات دنيوية بين الناس بعضهم من بعض، استطرد منها إلى المعاملات الأخروية التي هي بين العبد وربه سبحانه وتعالى، ولما كان أفضل الطاعات بعد الإيمان الصلاة، والصلاة لا تمكن إلا بالطهارة، بدأ بالطهارة وشرائط الوضوء، وذكر البدل عنه عند تعذر الماء. ولما كانت محاولة الصلاة في الأغلب إنما هي بقيام، جاءت العبارة : إذا قمتم أي : إذا أردتم القيام إلى فعل الصلاة. وعبر عن إرادة القيام بالقيام، إذ القيام متسبب عن الإرادة، كما عبروا عن القدرة على الفعل بالفعل في قولهم : الأعمى لا يبصر أي لا يقدر على الأبصار، وقوله :﴿نُّعِيدُهُا وَعْدًا عَلَيْنَآا إِنَّا كُنَّا فَـاعِلِينَ﴾ أي قادرين على الإعادة. وقوله :﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ فَاسْتَعِذْ﴾ أي إذا أردت قراءة القرآن لما كان الفعل متسبباً عن القدرة والإرادة أقيم المسبب مقام السبب.


الصفحة التالية
Icon