﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَـاقَهُ الَّذِى وَاثَقَكُم بِهِا إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾ الخطاب للمؤمنين، والنعمة هنا الإسلام، وما صاروا إليه من اجتماع الكلمة والعزة. والميثاق : هو ما أخذه الرسول عليهم في بيعة العقبة وبيعة الرضوان، وكل موطن قاله : ابن عباس، والسدي، وجماعة. وقال مجاهد : هو ما أخذ على النسم حين استخرجوا من ظهر آدم. وقيل : هو الميثاق المأخوذ عليهم حين بايعهم على السمع والطاعة في حال اليسر والعسر، والمنشط والمكره. وقيل : الميثاق هو الدلائل التي نصبها لأعينهم وركبها في عقولهم، والمعجزات التي أظهرها في أيامهم حتى سمعوا وأطاعوا. وقيل : الميثاق إقرار كل مؤمن بما ائتمر به. وروي عن ابن عباس : أنه الميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل حين قالوا : آمنا بالتوراة وبكل ما فيها، ومن جملته البشارة بالرسول صلى الله عليه وسلّم، فلزمهم الإقرار به. ولا يتأتى هذا القول إلا أن يكون الخطاب لليهود، وفيه بعد. والقولان بعده يكون الميثاق فيهما مجاز، والأجود حمله على ميثاق البيعة، إذ هو حقيقة فيه، وفي قوله : إذا قلتم سمعنا وأطعنا.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٣٠
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمُا بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ أي : واتقوا الله ولا تتناسوا نعمته، ولا تنقضوا ميثاقه. وتقدم شرح شبه هذه الجملة في النساء فأغنى عن إعادته.
﴿بِذَاتِ الصُّدُورِ * يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَواَّمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـاَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا ﴾ تقدم تفسير مثل هذه الجملة الأولى في النساء، إلا أنّ هناك بدىء بالقسط، وهنا أخر. وهذا من التوسع في الكلام والتفنن في الفصاحة. ويلزم مَن كان قائماً لله أن يكون شاهداً بالقسط، ومن كان قاتماً بالقسط أن يكون قائماً لله، إلا أنَّ التي في النساء جاءت في معرض الاعتراف على نفسه وعلى الوالدين والأقربين، فبدىء فيها بالقسط الذي هو العدل والسواء من غير محاباة نفس ولا والد ولا قرابة، وهنا جاءت في معرض ترك العداوات والاحن، فبدىء فيها بالقيام لله تعالى أولاً لأنه أردع للمؤمنين، ثم أردف بالشهادة بالعدل فالتي في معرض المحبة والمحاباة بدىء فيه بما هو آكد وهو القسط، وفي معرض العداوة والشنآن بدىء فيها بالقيام لله، فناسب كل معرض بما جيء به إليه. وأيضاً فتقدم هناك حديث النشوز والإعراض وقوله :﴿وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا ﴾ وقوله :﴿فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن﴾ فناسب ذكر تقديم القسط، وهنا تأخر ذكر العداوة فناسب أن يجاورها ذكر القسط، وتعدية يجرمنكم بعلى إلا أن يضمن معنى ما يتعدى بها، وهو خلاف الأصل.
﴿تَعْدِلُوا ا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ أي : العدل نهاهم أولاً أن تحملهم الضغائن على ترك العدل ثم أمرهم ثانياً تأكيداً، ثم استأنف فذكر لهم وجه الأمر بالعدل وهو قوله : هو أقرب للتقوى، أي : أدخل في مناسبتها، أو أقرب لكونه لطفاً فيها. وفي الآية تنبيه على مراعاة حق المؤمنين في العدل، إذ كان تعالى قد أمر بالعدل مع الكافرين.
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرُا بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ لما كان الشنآن محله القلب وهو الحامل
٤٤٠
على ترك العدل أمر بالتقوى، وأتى بصفة خبير ومعناها عليم، ولكنها تختص بما لطف إدراكه، فناسب هذه الصفة أن ينبه بها على الصفة القلبية.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٣٠


الصفحة التالية
Icon