التيه في اللغة : الحيرة، يقال منه : تاه، يتيه، ويتوه، وتوهته، والتاء أكثر، والأرض التوهاء التي لا يهتدى فيها، وأرض تيه. وقال ابن عطية : التيه الذهاب في الأرض إلى غير مقصود. الأسى : الحزن، يقال منه : أسى يأسى. ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَـاقَ بَنِى إسرائيل وَبَعَثْنَا مِنُهُمُ اثْنَىْ عَشَرَ نَقِيبًا ﴾ مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه أمر بذكر الميثاق الذي أخذه الله على المؤمنين في قوله :﴿وَمِيثَـاقَهُ الَّذِى وَاثَقَكُم بِهِ﴾ ثم ذكر وعده إياهم، ثم أمرهم بذكر نعمته عليه إذ كف أيدي الكفار عنهم، ذكرهم بقصة بني إسرائيل في أخذ الميثاق عليهم، ووعده لهم بتكفير السيآت، وإدخالهم الجنة، فنقضوا الميثاق وهموا بقتل الرسول، وحذرهم بهذه القصة أن يسلكوا سبيل بني إسرائيل هو بالإيمان والتوحيد. وبعث النقباء قيل : هم الملوك بعثوا فيهم يقيمون العدل، ويأمرونهم بالمعروف، وينهونهم عن المنكر. والنقيب : كبير القوم القائم بأمورهم. والمعنى في الآية : أنه عدد عليهم نعمه في أنْ بعث لأعدائهم هذا العدد من الملوك قاله النقاش. وقال : ما وفى منهم إلا خمسة : داود. وسليمان ابنه، وطالوت، وحزقيل، وابنه وكفر السبعة وبدلوا وقتلوا الأنبياء، وخرج خلال الاثنى عشر اثنان وثلاثون جباراً كلهم يأخذ الملك بالسيف، ويعبث فيهم، والبعث : من بعث الجيوش. وقيل : هو من بعث الرسل وهو إرسالهم
٤٤٣
والنقباء الرسل جعلهم الله رسلاً إلى قومهم كل نبي منهم إلى سبط.
وقيل : الميثاق هنا والنقباء هو ما جرى لموسى مع قومه في جهاد الجبارين، وذلك أنه لما استقر بنو إسرائيل بمصر بعد هلاك فرعون أمرهم الله بالمسير إلى أريحا أرض الشام، وكان يسكنها الكفار الكنعانيون الجبابرة وقال لهم : إني كتبتها لكم داراً وقراراً فاخرجوا إليها، وجاهدوا من فيها، وإني ناصركم. وأمر موسى أنْ يأخذ من كل سبط نقيباً يكون كفيلاً على قومه بالوفاء بما أمروا به توثقه عليهم، فاختار النقباء، وأخذ الميثاق على بني إسرائيل، وتكفل لهم به النقباء، وسار بهم فلما دنا من أرض كنعان بعث النقباء يتجسسون فرأوا أجراماً عظاماً وقوة وشوكة، فهابوا ورجعوا وحدثوا قومهم، وقد نهاهم موسى أن يحدثوهم، فنكثوا الميثاق، إلا كالب بن يوقنا من سبط يهودا، ويوشع بن نون من سبط أفراثيم بن يوسف وكانا من النقباء. وذكر محمد بن حبيب في المحبر أسماء هؤلاء النقباء الذين اختارهم موسى في هذه القصة بألفاظ لا تنضبط حروفها ولا شكلها، وذكرها غيره مخالفة في أكثرها لما ذكره ابن حبيب لا ينضبط أيضاً. وذكروا من خلق هؤلاء الجبارين وعظم أجسامهم وكبر قوالبهم ما لا يثبت بوجه، قالوا وعدد هؤلاء النقباء كان بعدد النقباء الذين اختارهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم من السبعين رجلاً والمرأتين الذين بايعوه في العقبة الثانية، وسماهم : النقباء.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٢
﴿وَقَالَ اللَّهُ إِنِّى مَعَكُمْ﴾ أي بالنصر والحياطة. وفي هذه المعية دلالة على عظم الاعتناء والنصرة، وتحليل ما شرطه عليهم مما يأتي بعد، وضمير الخطاب هو لبني إسرائيل جميعاً. وقال الربيع : هو خطاب للنقباء، والأول هو الراجح لانسحاب الأحكام التي بعد هذه الجملة على جميع بني إسرائيل.
﴿لَـاِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَواةَ وَءَاتَيْتُمُ الزَّكَواةَ وَءَامَنتُم بِرُسُلِى وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لاكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّـاَاتِكُمْ وَلادْخِلَنَّكُمْ جَنَّـاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُ﴾ اللام في لئن أقمتم هي المؤذنة بالقسم والموطئة بما بعدها، وبعد أداة الشرط أن يكون جواباً للقسم، ويحتمل أن يكون القسم محذوفاً، ويحتمل أن يكون لأكفرن جواباً لقوله : ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل، ويكون قوله : وبعثنا والجملة التي بعده في موضع الحال، أو يكونان جملتي اعتراض، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه. وقال الزمخشري : وهذا الجواب يعني لأكفرنّ، ساد مسد جواب القسم والشرط جميعاً انتهى. وليس كما ذكر لا يسدّ وكفرن مسدَّهما، بل هو جواب القسم فقط، وجواب الشرط محذوف كما ذكرنا. والزكاة هنا مفروض من المال كان عليهم، وقيل : يحتمل أن يكون المعنى : وأعطيتم من أنفسكم كل ما فيه زكاة لكم حسبما ندبتم إليه قاله : ابن عطية. والأول وهو الراجح.