﴿قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْـاًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّه وَمَن فِى الارْضِ جَمِيعًا ﴾ هذا ردّ عليهم. والفاء في : فمن للعطف على جملة محذوفة تضمنت كذبهم في مقالتهم التقدير : قل كذبوا، وقل ليس كما قالوا فمن يملك، والمعنى : فمن يمنع من قدرة الله وإرادته شيئاً ؟ أي : لا أحد يمنع مما أراد الله شيئاً إن أراد أن يهلك من ادعوه إلهاً من المسيح وأمه. وفي ذلك دليل على أنه وأمه عبدان من عباد الله لا يقدران على رفع الهلاك عنهما، بل تنفذ فيهما إرادة الله تعالى، ومن تنفذ فيه لا يكون إلهاً، وعطف عليهما : ومن في الأرض جميعاً، عطف العام على الخاص ليكونا قد ذكرا مرّتين : مرّة بالنص عليهما، ومرة بالاندراج في العام، وذلك على سبيل التوكيد والمبالغة في تعلق نفاذ الإرادة فيهما. وليعلم، أنهما من جنس من في الأرض لا تفاوت بينهما في البشرية، وفي ذلك إشارة إلى حلول الحوادث بهما، والله سبحانه وتعالى منزه أن تحلّ به الحواث، وأن يكون محلاً لها. وفي هذا رد على
٤٤٩
الكرامية.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٢
﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ والمسيح وأمه من جملة ما في الأرض، فهما مقهوران لله تعالى، مملوكان له، وهذه الجملة مؤكدة لقوله : إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه، ودلالة على أنه إذا أراد فعل، لأنّ من له ذلك الملك يفعل في ملكه ما يشاء.
﴿يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ﴾ أي أنّ خلقه ليس مقصوراً على نوع واحد، بل ما تعلقت مشيئته بإيجاده أو جده واخترعه، فقد يوجد شيئاً لا من ذكر ولا أنثى كآدم عليه السلام، وأوائل الأجناس المتولد بعضها من بعض. وقد يخلق من ذكر وأنثى، وقد يخلق من أنثى لا من ذكر معها كالمسيح. ففي قوله : يخلق ما يشاء، إشارة إلى أنّ المسيح وأمه مخلوقان. وقيل : معنى يخلق ما يشاء كخلق الطير على يد عيسى معجزة، وكإحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، وغير ذلك، فيجب أن تنسب إليه ولا تنسب إلى البشر المجرى على يده. وتضمن الرد عليهم أن من كان مخلوقاً مقهوراً بالملك عاجزاً عن دفع ما يريد الله به لا يكون إلهاً.
﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرًا﴾ تقدم تفسير هذه لجملة، وكثيراً ما يذكر القدرة عثيب الاختراع وذكر الأشياء الغريبة.
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَـارَى نَحْنُ أَبْنَـا ؤُا اللَّهِ وَأَحِبَّـا ؤُهُا﴾ ظاهر اللفظ أن جميع اليهود والنصارى قالوا عن جميعهم ذلك وليس كذلك، بل في الكلام لف وإيجاز. والمعنى : وقالت كل فرقة من اليهود والنصارى عن نفسها خاصة : نحن أبناء الله وأحباؤه، وقالت اليهود : ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى : ليست اليهود على شيء. والبنوة هنا بنوة الحنان والرأفة. وما ذكروا من أن الله أوحى إلى إسرائيل أنّ أولادك بكرى فضلوا بذلك. وقالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه، لا يصح. ولو صحّ ما رووا، كان معناه بكراً في التشريف والنبوة ونحو ذلك. وجعل الزمخشري قولهم : أبناء الله، على حذف مضاف، وأقيم هذا مقامه أي : نحن أشياع الله ابني الله عزير والمسيح، كما قيل لأشياع أبي خبيب عبد الله بن الزبير الخبيبيون، وكما كان يقول رهط مسلمة : نحن أبناء الله، ويقول أقرباء الملك وحشمه : نحن الملوك. وأحباؤه جمع حبيب فعيل بمعنى مفعول، أي محبوبوه، أجرى مجرى فعيل من المضاعف الذي هو اسم الفاعل نحو : لبيب وألباء. وقائل هذه المقالة : بعض اليهود الذين كانوا بحضرة الرسول، فنسب إلى الجميع لأنّ ما وقع من بعض قد ينسب إلى الجميع. قال الحسن : يعنون في القرب منه أي : نحن أقرب إلى الله منكم له، يفخرون بذلك على المسلمين. قال ابن عياش : هم طائفة من اليهود خوفهم الرسول عقاب الله فقالوا : أتخوفنا بالله ونحن أبناء الله وأحباؤه ؟ وروي أيضاً عن ابن عباس : أن يهود المدينة كعب بن الأشرف وغيره من نصارى نجران السيد والعاقب، خاصموا أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلّم، فعيرهم الصحابة بالكفر وغضب الله عليهم، فقالت اليهود : إنما غضب الله علينا كما يغضب الرّجل على ولده، نحن أبناء الله وأحباؤه. هذا قول اليهود، وأما النصارى فإنهم زعموا أنّ عيسى قال لهم : اذهبوا إلى أبي وأبيكم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٢
﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم﴾ أي إن كنتم كما زعمتم، فلم يعذبكم بذنوبكم ؟ وكانوا قد قالوا للنبي صلى الله عليه وسلّم في غير ما موطن : نحن ندخل النار فنقيم فيها أربعين يوماً، ثم تخلفوننا فيها. والمعنى : لو كانت
٤٥٠