شجرته، وطعم الآخر ثم شجرتيه كله، فقد استويا في الحنث انتهى. وقال غيره : قيل المشابهة في الإثم، والمعنى : أن عليه إثم من قتل الناس جميعاً قاله : الحسن والزجاج. وقيل : التشبيه في العذاب ومعناه أنه يصلى النار بقتل المسلم، كما لو قال قتل الناس قاله : مجاهد وعطاء، وهذا فيه نظر. لأن العذاب يخفف ويثقل بحسب الجرائم. وقيل : التشبيه من حيث القصاص قاله : ابن زيد. وتقدم. وقيل : التشبيه من جهة الإنكار على قبح الفعل والمعنى : أنه ينبغي لجميع الناس أن يعينوا وليّ المقتول حتى يقيدوه منه، كما لو قتل أولياءهم جميعاً ذكره : القاضي أبو يعلى. وهذا الأمر كان مختصاً ببني إسرائيل، غلظ عليهم كما غلظ عليهم بقتل أنفسهم. قاله بعض العلماء. وقال قوم : هذا عام فيهم وفي غيرهم. قال سليمان بن عليّ : قلت : للحسن يا أبا سعيد هي لنا كما كانت لبني إسرائيل ؟ قال : أي والذي لا إله غيره، ما كان دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دمائنا. وقيل في قوله : ومن أحياها أي : استنقذها من الهلكة. قال عبد الله، والحسن، ومجاهد أي من غرق أو حرق أو هلاك. وقيل من عضد نبياً أو إماماً عادلاً، لأن نفعه عائد على الناس جميعاً. وقيل : من ترك قتل النفس المحرمة فكأنما أحيا الناس بكفه أذاه عنهم. وقيل : من زجر عن قتل النفس ونهى عنه. وقيل : من أعان على استيفاء القصاص لأنه قال :﴿وَلَكُمْ فِى الْقِصَاصِ حَيَواةٌ﴾. قال الحسن : وأعظم إحيائها أن يحييها من كفرها، ودليه :﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـاهُ وَجَعَلْنَا لَه نُورًا﴾ انتهى والإحياء هنا مجاز، لأنّ الإحياء حقيقة هو لله تعالى، وإنما المعنى : ومن استسقاها ولم يتلفها، ومثل هذا المجاز قول محاج ابراهيم : أنا أحيي سمي الترك إحياء.
﴿وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَـاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَالِكَ فِى الارْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾ أخبر تعالى أنّ الإسراف والفساد فيهم هذا مع مجيء الرسل بالبينات من الله، وكان مقتضى مجيء رسل الله بالحجج الواضحة أن لا يقع منهم إسراف وهو المجاوزة في الحد، فخالفوا هذا المقتضى. والعامل في بعد، والمتعلق به في الأرض خبر إن، ولم تمنع لام الابتداء من العمل في ذلك وإن كان متقدماً، لأنّ دخولها على الخبر ليس بحق التأصل، والإشارة بذلك إلى مجيء الرسل بالبينات، والمراد بالأرض أي : حيث ما حلوا أسرفوا. وظاهر الإسراف أنه لا يتقيد. وقيل لمسرفون أي : قاتلون بغير حق كقوله :﴿فَلا يُسْرِف فِّى الْقَتْلِ﴾. وقيل : هو طلبهم الكفاءة في الحسب حتى يقتل بواحد عدة من قتلتهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٥٩
﴿إِنَّمَا جَزَا ؤُا الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَه وَيَسْعَوْنَ فِى الارْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ﴾ قال أنس بن مالك، وجرير بن عبد الله، وعبد الله بن عمر، وابن جبير، وعروة : نزلت في عكل وعرينة وحديثه مشهور. وقال ابن عباس فيما رواه عكرمة عنه : نزلت في المشركين، وبه قال : الحسن وعطاء. وقال ابن عباس في رواية والضحاك : نزلت في قوم من أهل
٤٦٩
الكتاب كان بينهم وبين الرسول عهد فنقضوه، وأفسدوا في الدّين. وقيل : نزلت في قوم أبي بردة هلال بن عامر قتلوا قوماً مرّوا بهم من بني كنانة يريدون الإسلام، وأخذوا أموالهم، وكان بين الرسول صلى الله عليه وسلّم وبين أبي بردة موادعة أن لا يعين عليه، ولا يهيج من أتاه مسلماً ففعل ذلك قومه ولم يكن حاضراً، والجمهور على أنّ هذه الآية ليست ناسخة ولا منسوخة. وقيل : نسخت ما فعل النبي صلى الله عليه وسلّم بالعرنيين من المثلة، ووقف الحكم على هذه الحدود.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة، لما ذكر في الآية قبلها تغليظ الإثم في قتل النفس بغير نفس ولا فساد في الأرض، أتبعه ببيان الفساد في الأرض الذي يوجب القتل ما هو، فإن بعض ما يكون فساداً في الأرض لا يوجب القتل، ولا خلاف بين أهل العلم أنّ حكم هذه الآية مترتب في المحاربين من أهل الإسلام. ومذهب مالك وجماعة : أن المحارب هو من حمل السلاح على الناس في مصر أو برية، فكادهم عن أنفسهم وأموالهم دون ثائرة، ولا دخل ولا عداوة. ومذهب أبي حنيفة وجماعة : أن المحاربين هم قطاع الطريق خارج المصر، وأمّا في المصر فيلزمه حدّ ما اجترح من قتل أو سرقة أو غصب ونحو ذلك، وأدنى الحرابة إخافة الطريق ثم أخذ المال مع الإخافة، ثم الجمع بين الإخافة وأخذ المال والقتل ومحاربة الله تعالى غير ممكنة، فيحمل على حذف مضاف أي : محاربون أولياء الله ورسوله، وإلا لزم أن يكون محاربة الله ورسوله جمعا بين الحقيقة والمجاز. فإذا جعل ذلك على حذف مضاف، أو حملاً على قدر مشترك اندفع ذلك، وقول ابن عباس : المحاربة هنا الشرك، وقول عروة : الارتداد، غير صحيح عند الجمهور، وقد أورد ما يبطل قولهما.


الصفحة التالية
Icon