الصحابة وإلى الرسول، فقراءته قراءة الرسول أيضاً، وقوله : وجميع الأمة، لا يصح هذا الإطلاق لأنّ عيسى بن عمر وابراهيم بن أبي عبلة ومن وافقهما وأشياخهم الذين أخذوا عنهم هذه القراءة هم من الأمة. وقال سيبويه : وقد قرأ ناس والسارق والسارقة والزانية والزاني، فأخبر أنها قراءة ناس. وقوله : وجميع الأمة لا يصح هذا العموم. قال الفخر الرازي : الثاني : من الوجوه التي تدل على فساد قول سيبويه أن القراءة بالنصب لو كانت أولى لوجب أن يكون في القراء من قرأ :﴿وَالَّذَانِ يَأْتِيَـانِهَا مِنكُمْ فَـاَاذُوهُمَا ﴾ بالنصب، ولما لم يوجد في القراءة أحد قرأ كذلك، علمنا سقوط هذا القول. (قلت) : لم يدّع سيبويه أنّ قراءة النصب أولى فيلزمه ما ذكر، وإنما قال سيبويه : وقد قرأ ناس والسارق والسارقة والزانية والزاني، وهو في العربية على ما ذكرت لك من القوة، ولكن أبت العامة إلا القراءة بالرفع. ويعني سيبويه بقوله : من القوة، لو عرى من الفاء المقدر دخولها على خبر الاسم المرفوع على الابتداء، وجملة الأمر خبره، ولكن أبت العامة أي ـ جمهور القراء ـ إلا الرفع لعلة دخول الفاء، إذ لا يصح أن تكون جملة الأمر خبراً لهذا المبتدأ، فلما دخلت الفاء رجح الجمهور الرفع. ولذلك لما ذكر سيبويه اختيار النصب في الأمر والنهي، لم يمثله بالفاء بل عارياً منها. قال سيبويه : وذلك
٤٧٨
قولك : زيداً اضربه وعمراً أمرر به، وخالداً اضرب أباه، وزيداً اشتر له ثوباً ثم قال : وقد يكون في الأمر والنهي أن يبني الفعل على الاسم وذلك قوله : عبد الله فاضربه، ابتدأت عبد الله فرفعت بالابتداء، ونبهت المخاطب له ليعرفه باسمه، ثم بنيت الفعل عليه كما فعلت ذلك في الخبر. فإذا قلت : زيداً فاضربه، لم يستقم، لم تحمله على الابتداء. ألا ترى أنك لو قلت : زيد فمنطلق، لم يستقم ؟ فهذا دليل على أنه لا يجوز أن يكون مبتدأ يعني مخبراً عنه بفعل الأمر المقرون بالفاء الجائز دخولها على الخبر. ثم قال سيبويه : فإن شئت نصبته على شيء هذا يفسره. لما منع سيبويه الرفع فيه على الابتداء، وجملة الأمر خبره لأجل الفاء، أجاز نصبه على الاشتغال، لا على أن الفاء هي الداخلة في خبر المبتدأ.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٥٩
وتلخيص ما يفهم من كلام سيبويه : أن الجملة الواقعة أمراً بغير فاء بعد اسم يختار فيه النصب ويجوز فيه الابتداء، وجملة الأمر خبره، فإنْ دخلت عليه الفاء فإمّا أنْ تقدرها الفاء الداخلة على الخبر، أو عاطفة. فإن قدرتها الداخلة على الخبر فلا يجوز أن يكون ذلك الاسم مبتدأ وجملة الأمر خبره، إلا إذا كان المبتدأ أجرى مجرى اسم الشرط لشبهه به، وله شروط ذكرت في النحو. وإن كانت عاطفة كان ذلك الاسم مرفوعاً، إما مبتدأ كما
٤٧٩
تأول سيبويه في قوله : والسارق والسارقة، وإما خبر مبتدأ محذوف كما قيل : القمر والله فانظر إليه. والنصب على هذا المعنى دون الرفع، لأنك إذا نصبت احتجت إلى جملة فعلية تعطف عليها بالفاء، وإلى حذف الفعل الناصب، وإلى تحريف الفاء إلى غير محلها. فإذا قلت زيداً فاضربه، فالتقدير : تنبه فاضرب زيداً اضربه. حذفت تنبه، وحذفت اضرب، وأخرت الفاء إلى دخولها على المفسر. وكان الرفع أولى، لأنه ليس فيه لا حذف مبتدأ، أو حذف خبر. فالمحذوف أحد جزئي الإسناد فقط، والفاء واقعة في موقعها، ودل على ذلك المحذوف سياق الكلام والمعنى. قال سيبويه : وأما قوله عز وجل :﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا﴾ ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ فإنّ هذا لم يبن على الفعل، ولكنه جاء على مثل قوله تعالى :﴿مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾ ثم قال بعد فيها :﴿أَنْهَـارٌ مِّن﴾ كذا وكذا، فإنما وضع مثل للحديث الذي بعده، وذكر بعد أخبار وأحاديث كأنه قال : ومن القصص مثل الجنة أو مما نقص عليكم مثل الجنة، فهو محمول على هذا الإضمار أو نحوه والله أعلم. وكذلك الزانية والزاني لما قال تعالى :﴿سُورَةٌ أَنزَلْنَـاهَا وَفَرَضْنَـاهَا﴾ قال في الفرائض :﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى﴾ في الفرائض ثم قال : فاجلدوا، فجاء بالفعل بعد أن مضى فيها الرفع كما قال : وقائلة خولان فانكح فتاتهم، فجاء بالفعل بعد أن عمل فيه الضمير، وكذلك السارق والسارقة. كأنه قال : مما فرض عليكم السارق والسارقة، أو السارق والسارقة فيما فرض عليكم. وإنما جاءت هذه الأسماء بعد قصص وأحاديث انتهى.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٥٩


الصفحة التالية
Icon