﴿جَزَآءَا بِمَا كَسَبَا نَكَـالا مِّنَ اللَّهِ﴾ قال الكسائي : انتصب جزاء على الحال. وقال قطرب : على المصدر، أي : جازاهم جزاء. وقال الجمهور : هو على المفعول من أجله، وبما متعلق بجزاء، وما موصولة أي : بالذي كسباه. ويحتمل أن تكون مصدرية أي : جزاء بكسبهما، وانتصاب نكالاً على المصدر، أو على أنه مفعول من أجله. والعذاب : النكال، والنكل القيد تقدّم الكلام فيه في قوله :﴿فَجَعَلْنَـاهَا نَكَـالا﴾. وقال الزمخشري : جزاء ونكالاً مفعول لهما انتهى، وتبع في ذلك الزجا. قال الزجاج : هو مفعول من أجله يعني جزاء. قال : وكذلك نكالاً من الله انتهى. وهذا ليس بجيد. إلا إذا كان الجزاء هو النكال، فيكون ذلك على طريق البدل. وأما إذا كانا متباينين فلا يجوز أن يكونا مفعولين لهما إلا بواسطة حرف العطف.
﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ قيل : المعنى عزيز في شرع الرّدع، حكيم في إيجاب القطع. وقيل : عزيز في انتقامه من السارق وغيره من أهل المعصية، حكيم في فرائضه وحدوده. روي أنّ بعض الأعراب سمع قارئاً يقرأ : والسارق والسارقة إلى آخرها وختمها بقوله : والله غفور رحيم فقال : ما هذا كلام فصيح، فقيل له : ليس التلاوة كذلك، وإنما هي والله عزيز حكيم فقال : بخ بخ عز، فحكم، فقطع.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٥٩
﴿فَمَن تَابَ مِنا بَعْدِ ظُلْمِهِا وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي فمن تاب من بعد ظلمه بالسرقة. وظلمه مضاف إلى الفاعل أي : من بعد أن ظلم غيره بأخذ مال أو سرقة. قيل : أو مضاف إلى المفعول أي : من بعد أن ظلم نفسه. وفي جواز هذا الوجه نظر إذ يصير التقدير : من بعد أن ظلمه. ولو صرح بهذا لم يجز، لأن فيه تعدي الفعل الرافع الضمير المتصل إلى الضمير المتصل المنصوب، وذلك لا يجوز إلا في باب ظن، وفقد، وعدم. ومعنى يتوب عليه أي : يتجاوز عنه ويقبل توبته. وظاهر الآية أنه بمجرد التوبة لا يقبل إلا إن ضم إلى ذلك الإصلاح وهو التنصل من التبعات بردها إنْ أمكن، وإلا بالاستحلال منها، أو بإنفاقها في سبيل الله إن جهل صاحبها. والغفران والرحمة كناية عن سقوط العقوبة عنه في الآخرة. قرأ الجمهور على أن الحد لا يسقط بالتوبة. وقال عطاء وجماعة : يسقط بالتوبة قبل القدرة على السارق، وهو أحد قولي الشافعي. وقال مجاهد : التوبة والإصلاح هي أن يقام عليه الحد.
﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَه مُلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ﴾ لما ذكر تعالى تصرفه في أحكام المحاربين وأحكام السرّاق، ولم يحاب ما ذكر من العقوبات عليهم، نبه على أن ذلك هو تصرف في ملكه، وملكه لا معقب لحكمه، فيعذب من يشاء عذابه وهم المخالفون لأمره، ويغفر لمن يشاء وهم التائبون. والخطاب في ألم تعلم قيل : للنبي صلى الله عليه وسلّم،
٤٨٤
وقيل : لكل مكلف، وقيل : للمجترىء على السرقة وغيرها من المحظورات. فالمعنى : ألم تعلم أنّك عاجز عن الخروج عن ملكي، هارباً مني ومن عذابي، فلم اجترأت على ما منعتك منه ؟ وأبعد من ذهب أنه خطاب اليهود كانوا بحضرة الرسول، والمعنى : ألم تعلموا أنه له ملك السموات والأرض، لا قرابة ولا نسب بينه وبين أحد حتى يحابيه، ويترك القائلين نحن أبناء الله وأحباؤه. قال الزمخشري : من يشاء من يجب في الحكم تعذيبه والمغفرة له من المصرّين والتائبين انتهى. وفيه دسيسة الاعتزال. وقد يسقط حد الحربي إذا سرق بالتوبة ليكون أدعى له إلى الإسلام وأبعد من التنفير عنه، ولا نسقطه عن المسلم لأن في إقامته الصلاح للمؤمنين والحياة ﴿وَلَكُمْ فِى الْقِصَاصِ حَيَواةٌ﴾ وقال ابن عباس والضحاك : يعذب من يشاء، أي من مات على كفره، ويغفر لمن يشاء ممن تاب عن كفره. وقيل : ذلك في الدنيا، يعذب من يشاء في الدنيا على معصيته بالقتل والخسف والسبي والأسر وإذهاب المال والجدب والنفي والخزي والجزية وغير ذلك، ويغفر لمن يشاء منهم في الدنيا بالتوبة عليه من كفره ومعصيته فينقذه من الهلكة وينجيه من العقوبة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٨٤
﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ﴾ كثيراً ما يعقب هذه الجملة ما دل على التصرّف التام، والملك والخلق والاختراع، وهي في غاية المناسبة عقيب ما ذكروه من ذلك قوله تعالى :﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٨٤
السَّحْت والسحُت بسكون الحاء وضمها الحرام، سمي بذلك لأنه يسحت البركة أي يذهبها. يقال : سحته الله أي أهلكه، ويقال : أسحته، وقرىء بهما في قوله :﴿فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ﴾ أي يستأصلكم يهلككم، ومنه قول الفرزدق :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٨٥
وعض زمان يا ابن مروان لم يدعمن المال إلا مسحتاً أو مجلف


الصفحة التالية
Icon