زيداً باللحم، والصحيح أنه جاء على قلة تقول : دفع زيد عمراً، ثم تعديه بالباء فتقول : دفعت زيداً بعمر. وأي : جعلت زيداً يدفع عمراً، وكذلك صك الحجر الحجر. ثم تقول : صككت الحجر بالحجر أي جعلته يصكه. وأما قوله : المفعول الأول محذوف الظرف كالساد مسده فلا يتجه، لأنّ المفعول هو مفعول به صريح، ولا يسد الظرف مسده، وكلامه مفهم التضمين وإن لم يصرح به. ألا ترى إلى قوله : لأنه إذا قفى به أثره فقد قفى به إياه ؟ وقول الزمخشري : فقد قفى به إياه فصل الضمير، وحقه أن يكون متصلاً، وليس من مواضع فصل لو قلت : زيد ضربت بسوط إيتاه لم يجز إلا في ضرورة شعر، فإصلاحه زيد ضربته بسوط، وانتصب مصدقاً على الحال من عيسى. ومعنى : لما بين يديه، لما تقدمه من التوراة لأنها جاءت قبله، كما أن الرسول بين يدي الساعة. وتقدم الكلام في هذا. وتصديقه إياها هو بكونه مقراً أنها كتاب منزل من الله حقاً واجب العمل به قبل ورود النسخ، إذ شريعته مغايرة لبعض ما فيها.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٨٥
﴿وَقَفَّيْنَا عَلَى ءَاثَـارِهِم بِعِيسَى ابْنِ﴾ هذه الجملة معطوفة على قوله : وقفينا. وفيه تعظيم عيسى عليه السلام بأن الله آتاه كتاباً إلهيّاً. وتقدمت قراءة الحسن الإنجيل بفتح الهمزة، وما ذكروه في اشتقاقه إن كان عربياً.
وقوله : فيه هدى ونور، في موضع الحال، وارتفاع هدى على الفاعلية بالجار والمجرور، إذ قد اعتمد بأن. وقع حالاً لذي حال أي : كائناً فيه هدى. ولذلك عطف عليه ﴿وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ﴾ والضمير في يديه عائد على الإنجيل، والمعنى : أن عيسى وكتابه الذي أنزل عليه هما مصدقان لما تقدمهما من التوراة، فتظافر على تصديقه الكتاب الإلهي المنزل، والنبي المرسل المنزل عليه ذلك الكتاب. ومعنى كونه فيه هدى أنه يشتمل على دلائل التوحيد، وتنزيه الله عن الولد والصاحبة والمثل والضد، وعلى الإرشاد والدعاء إلى الله تعالى، وإلى إحياء أحكام التوراة، والنور هو ما فيه مما يستضاء به إذ فيه بيان أحكام الشريعة وتفاصيلها. قال ابن عطية : ومصدقاً حال مؤكدة معطوفة على موضع الجملة التي هي فيه هدى، فإنها جملة في موضع الحال انتهى. وإنما قال : إن مصدقاً، حال مؤكدة من حيث المعنى، لأنه يلزم من كون الإنجيل كتاباً إلا هيا أن يكون مصدقاً للكتب الإلهية، لكن قوله : معطوفة على الجملة التي هي فيه هدى، فإنها جملة في موضع الحال قول مرجوح، لأنّا قد بينا أنّ قوله : فيه هدى ونور من قبيل المفرد لا من قبيل الجملة، إذ قدرناه كائناً فيه هدى ونور، ومتى دار الأمر بين أن يكون الحال مفرداً أو جملة، كان تقدير المفرد أجود على تقدير أنه جملة يكون ذلك من القليل، لأنها جملة اسمية، ولم تأت بالواو، وإن كان يغني عن الرابط الذي هو الضمير، لكن الأسْن والأكثر أن يأتي بالواو، حتى أنّ الفراء زعم أن عدم الواو شاذ، وإن كان ثم ضمير، وتبعه على ذلك الزمخشر. قال علي بن أبي طالب : ومصدقاً معطوف على مصدقاً الأول انتهى. ويكون إذ ذاك حالاً من عيسى، كرره على سبيل التوكيد، وهذا فيه بعد من جهة التركيب واتساق المعانى، وتكلفه أن يكون وآتيناه الإنجيل جملة حالية معطوفة على مصدّقاً.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٨٥
﴿وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ﴾ قرأ الضحاك : وهدى وموعظة بالرفع، وهو هدى وموعظة. وقرأ الجمهور : بالنصب حالاً معطوفة على قوله : ومصدقاً، جعله أولاً فيه هدى ونور، وجعله ثانياً هدى وموعظة. فهو في نفسه هدى، وهو مشتمل على الهدى، وجعله هدى مبالغة فيه إذ كان كتاب الإنجيل مبشراً برسول الله صلى الله عليه وسلّم والدلالة منه على نبوته
٤٩٩


الصفحة التالية
Icon