جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٠٣
وفي هذه المسألة خلاف بين النحويين. وبعضهم يجيز حذف هذا الضمير في الكلام، وبعضهم يخصه بالشعر، وبعضهم يفصل. وهذه المذاهب ودلائلها مذكورة في علم النحو. وقال الزمخشري : وإسقاط الراجع عنه كإسقاطه عن الصلة في "أهذا الذي بعث الله رسولاً وعن الصفة في : الناس رجلان، رجل أهنت ورجل أكرمت. وعن الحال في : مررت بهند تضرب زيداً انتهى. فإنْ كان جعل الإسقاط فيه مثل الإسقاط في الجواز والحسن، فليس كما ذكر عند البصريين، بل حذفه من الصلة بشروط الحذف فصيح، وحذفه من الصفة قليل، وحذفه من الخبر مخصوص بالشعر، أو في نادر. وإن كان شبهه به من حيث مطلق الإسقاط فهو صحيح. وقال ابن عطية : وإنما تتجه القراء على أن يكون التقدير : أفحكم الجاهلية حكم تبغون، فلا تجعل تبغون خبراً بل تجعل صفة خبر محذوف، ونظيره :﴿يُحَرِّفُونَ﴾ تقديره قوم يحرفون انتهى. وهو توجيه ممكن. وقرأ قتادة والأعمش : أفحكَمَ بفتح الحاء والكاف والميم، وهو جنس لا يراد به واحد كأنه قيل : أحكام الجاهلية وهي إشارة إلى الكهان الذين كانوا يأخذون الحلوان وهي رشا الكهان، ويحكمون لهم بحسبه وبحسب الشهوات، أرادوا بسفههم أن يكون خاتم النبيين حكماً كأولئك الحكام. وقرأ الجمهور : يبغون بالياء على نسق الغيبة المتقدّمة. وقرأ ابن عامر بالتاء على لخطاب، وفيه مواجهتهم بالإنكار والرّدع والزجر، وليس ذلك في الغيبة، فهذه حكمة الالتفات والخطاب ليهود قريظة والنضير.
﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ أي لا أحد أحسن من الله حكماً. وتقدّم ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ﴾ فجاءت هذه الآية مشيرة لهذا المعنى والمعنى : أن حكم الله هو الغاية في الحسن وفي العدل. وهو استفهام معناه التقرير، ويتضمن شيئاً من التكبر عليهم. واللام في : لقوم يوقنون، للبيان فتتعلق بمحذوف أي : في هيت لك وسقيا لك أي : هذا الخطاب. وهذا الاستفهام لقوم يوقنون قاله الزمخشر. وقال ابن عطية : وحسن دخول اللام في لقوم من حيث المعنى يبين ذلك، ويظهر لقوم يوقنون. وقيل : اللام بمعنى عند أي عند قوم يوقنون، وهذا ضعيف. وقيل : تتعلق بقوله : حكماً، أي أن أحكم الله للمؤمن على الكافر. ومتعلق يوقنون محذوف تقديره : يوقنون بالقرآن قاله ابن عباس. وقيل : يوقنون بالله تعالى قاله مقاتل. وقال الزجاج : يوقنون يثبتون عهد الله تعالى في حكمه، وخصوا بالذكر لسرعة إذعانهم لحكم الله وأنهم هم الذين يعرفون أن لا أعدل منه ولا أحسن حكماً.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٠٣
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٠٥
٥٠٥
الدائرة : واحدة الدوائر، وهي صروف الدهر، ودوله، ونوازله. وقال الشاعر :
ويعلم أن الدائرات تدور
اللعب معروف وهو مصدر على غير قياس، وفعله لعب يلعب. الإطفاء : الإخماد حتى لا يبقى أثر. الإفك : بفتح الهمزة مصدر أفكه يأفكه، أي قلبه وصرفه. ومنه :﴿أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا﴾ يؤفك عنه من أفك. قال عروة بن أذينة :
إن كنت عن أحسن المروءة مأفوكاً ففي آخرين قد أفكوا
وقال أبو زيد : المأفوك المأفون، وهو الضعيف العقل. وقال أبو عبيدة : رجل مأفوك لا يصيب خيراً، وائتفكت البلدة بأهلها انقلبت، والمؤتفكات مدائن قوم لوط عليه السلام قلبها الله تعالى.
٥٠٦
والمؤتفكات أيضاً الرياح التي تختلف مهابّها.
﴿يُوقِنُونَ * يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَـارَى أَوْلِيَآءَا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ﴾ قال الزهري وغيره : سبب نزولها ولها قصة عبد الله بن أبيّ واستمساكه بحلف يهود، وتبرؤ عبادة بن الصامت من حلفهم عند انقضاء بدر وعبادة، في قصة فيها طول هذا ملخصها. وقال عكرمة : سببها أمر أبي لبابة بن عبد المنذر وإشارته إلى قريظة أنه الذبح حين استفهموه عن رأيه في نزولهم عن حكم سعد بن معاذ. وقال السدّي : لما نزل بالمسلمين أمر أحد فزع منهم قوم، وقال بعضهم لبعض : نأخذ من اليهود عهداً يعاضدونا إن ألمت بنا قاصمة من قريش أو سائر العرب. وقال آخرون : بل نلحق بالنصارى فنزلت. وقيل : هي عامّة في المنافقين أظهروا الإيمان وظاهروا اليهود والنصارى.


الصفحة التالية
Icon