وذهب ابن كيسان إلى أن الجملة الاستفهامية في أرأيت زيداً ما صنع بدل من أرأيت، وزعم أبو الحسن إن أرأيتك إذا كانت بمعنى أخبرني فلا بد بعدها من الاسم المستخبر عنه وتلزم الجملة التي بعده الاستفهام، لأن أخبرني موافق لمعنى الاستفهام وزعم أيضاً أنها تخرج عن بابها بالكلية وتضمن معنى أما أو تنبه وجعل من ذلك قوله تعالى : قال ﴿أَرَءَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّى نَسِيتُ الْحُوتَ﴾ وقد أمعنا الكلام على أرأيت ومسائلها في كتابنا المسمى بالتذييل في شرح التسهيل وجمعنا فيه ما لا يوجد مجموعاً في كتاب فيوقف عليه فيه، ونحن نتكلم على كل مكان تقع فيه أرأيت في القرآن بخصوصيته.
١٢٦
فنقول الذي نختاره إنها باقية على حكمها من التعدّي إلى اثنين فالأول منصوب والذي لم نجده بالاستقراء إلا جملة استفهامية أو قسمية، فإذا تقرر هذا فنقول : المفعول الأول في هذه الآية محذوف والمسألة من باب التنازع تنازع ﴿أَرَءَيْتَكُمْ﴾ والشرط على عذاب الله فأعمل الثاني وهو ﴿ءَاتَـاكُمُ﴾ فارتفع عذاب به، ولو أعمل الأول لكان التركيب عذاب بالنصب ونظيره اضرب إن جاءك زيد على أعمال جاءك، ولو نصب لجاز وكان من أعمال الأول وأما المفعول الثاني فهي الجملة الاستفهامية من ﴿أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ﴾ والرابط لهذه الجملة بالمفعول الأول محذوف تقديره ﴿أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ﴾ لكشفه والمعنى : قل أرأيتكم عذاب الله إن أتاكم أو الساعة إن أتتكم أغير الله تدعون لكشفه أو كشف نوار لها، وزعم أبو الحسن أن ﴿أَرَءَيْتَكُمْ﴾ في هذه الآية بمعنى أما.
قال وتكون أبداً بعد الشرط وظروف الزمان والتقدير أما إن أتاكم عذابه والاستفهام جواب أرأيت لا جواب الشرط وهذا إخراج لأرأيت عن مدلولها بالكلية، وقد ذكرنا تخريجها على ما استقر فيها فلا نحتاج إلى هذا التأويل البعيد، وعلى ما زعم أبو الحسن لا يكون لأرأيت مفعولان ولا مفعول واحد، وذهب بعضهم إلى أن مفعول ﴿أَرَءَيْتَكُمْ﴾ محذوف دل عليه الكلام تقديره أرأيتكم عبادتكم الأصنام هل تنفعكم عند مجيء الساعة ؟ ودل عليه قوله :﴿أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ﴾. وقال آخرون لا تحتاج هنا إلى جواب مفعول لأن الشرط وجوابه قد حصلا معنى المفعول وهذان القولان ضعيفان، وأما جواب الشرط فذهب الحوفي إلى أن جوابه ﴿أَرَءَيْتَكُمْ﴾ قدّم لدخول ألف الاستفهام عليه وهذا لا يجوز عندنا، وإنما يجوز تقديم جواب الشرط عليه في مذهب الكوفيين وأبي زيد والمبرد وذهب غيره إلى أنه محذوف فقدره الزمخشري فقال : إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة من تدعون ؟ وإصلاحه بدخول الفاء أي فمن تدعون ؟ لأن الجملة الاستفهامية إذا وقعت جواباً للشرط فلا بد فيها من الفاء ؟ وقدره غيره إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة دعوتم الله ودل عليه الاستفهام في قوله :﴿أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ﴾.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٦
وقال الزمخشري : ويجوز أن يتعلق الشرط بقوله :﴿أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ﴾ كأنه قيل أغير الله تدعون إن أتاكم عذاب الله ؛ انتهى. فلا يجوز أن يتعلق الشرط بقوله :﴿أَغَيْرَ اللَّهِ﴾ لأنه لو تعلق به لكان جواباً للشرط، فلا يجوز أن يكون جواباً للشرط لأن جواب الشرط إذا كان استفهاماً بالحرف لا يكون إلا بهل مقدماً عليها الفاء نحو أن قام زيد فهل تكرمه ؟ ولا يجوز ذلك في الهمزة لا تتقدم الفاء على الهمزة ولا تتأخر عنها، فلا يجوز إن قام زيد فأتكرمه ولا أفتكرمه ولا أتكرمنه، بل إذا جاء الاستفهام جواباً للشرط لم يكن إلا بما يصح وقوعه بعد الفاء لا قبلها هكذا نقله الأخفش عن العرب، ولا يجوز أيضاً من وجه آخر لأنا قد قرّرنا إن أرأيتك متعد إلى اثنين أحدهما في هذه الآية محذوف وأنه من باب التنازع والآخر وقعت الجملة الاستفهامية موقعة فلو جعلتها جواباً للشرط لبقيت ﴿أَرَءَيْتَكُمْ﴾ متعدّية إلى واحد، وذلك لا يجوز وأيضاً التزام العرب في الشرط الجائي بعد أرأيت مضى الفعل دليل على أن جواب الشرط محذوف، لأنه لا يحذف جواب الشرط إلا عند مضيّ فعله قال تعالى :﴿قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ﴾ ﴿قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَـارَكُمْ﴾ ﴿قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَتَـاكُمْ عَذَابُه بَيَـاتًا﴾ ﴿قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ﴾ ﴿أَفَرَءَيْتَ إِن مَّتَّعْنَـاهُمْ سِنِينَ﴾ ﴿أَرَءَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَم﴾ إلى غير ذلك من الآيات، وقال الشاعر :
أرأيت إن جاءت به أملودا
وأيضاً فمجيء الجمل الاستفهامية مصدرة بهمزة الاستفهام دليل على أنها ليست جواب الشرط، إذ لا يصح وقوعها جواباً للشرط.
وقال الزمخشري :(فإن قلت) : إن علقت الشرطية يعني بقوله :﴿غَيْرُ اللَّهِ﴾ فما تصنع بقوله :﴿فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ﴾
١٢٧