مع قوله :﴿أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ﴾ وقوارع الساعة لا تكشف عن المشركين. (قلت) : قد اشترط في الكشف المشيئة وهو قوله : إن شاء إيذاناً بأنه إن فعل كان له وجه من الحكمة إلا أنه لا يفعل لوجه آخر من الحكمة أرجح منه ؛ انتهى. وهذا مبني على أنه يجوز أن يتعلق الشرط بقوله ﴿أَغَيْرَ اللَّهِ﴾ وقد استدل للفاعل أن ذلك لا يجوز وتلخص في جواب الشرط أقوال :.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٦
أحدها : أنه مذكور وهو ﴿أَرَءَيْتَكُمْ﴾ المتقدّم والآخر أنه مذكور وهو ﴿أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ﴾.
والثالث : أنه محذوف تقديره من تدعون.
والرابع : أنه محذوف تقديره دعوتم الله، هذا ما وجدنا منقولاً والذي نذهب إليه غير هذه الأقوال وهو أن يكون محذوفاً لدلالة ﴿أَرَءَيْتَكُمْ﴾ عليه وتقديره ﴿إِنْ أَتَـاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ﴾ فأخبروني عنه أتدعون غير الله لكشفه، كما تقول : أخبرني عن زيد إن جاءك ما تصنع به ؟ التقدير إن جاءك فأخبرني فحذف الجواب لدلالة أخبرني عليه، ونظير ذلك أنت ظالم إن فعلت التقدير فأنت ظالم فحذف فأنت ظالم وهو جواب الشرط لدلالة ما قبله عليه، وهذا التقدير الذي قدرناه هو الذي تقتضيه قواعد العربية و﴿غَيْرُ اللَّهِ﴾ عنى به الأصنام التي كانوا يعبدونها، وتقديم المفعول هنا بعد الهمزة يدل على الإنكار عليهم دعاء الأصنام إذ لا ينكر الدعاء إنما ينكرأن الأصنام تدعي كما تقول : أزيداً تضرب لا تنكر الضرب ولكن تنكر أن يكون محله زيداً. قال الزمخشري : بكتهم بقوله :﴿أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ﴾ بمعنى أتخصون آلهتكم بالدعوة فيما هو عادتكم إذا أصابكم ضرّ أم تدعون الله دونها ؟ انتهى. وقدره بمعنى أتخصون لأن عنده تقديم المفعول مؤذن بالتخصيص والحصر، وقد تكلمنا فيما سبق في ذلك وأنه لا يدل على الحصر والتخصيص، وهذه الآية عند علماء البيان من باب استدراج المخاطب وهو أن يلين الخطاب ويمزجه بنوع من التلطف والتعطف حتى يوقع المخاطب في أمر يعترف به فتقوم الحجة عليه، والله تعالى خاطب هؤلاء الكفار بلين من القول وذكر لهم أمراً لا ينازعون فيه وهو أنهم كانوا إذا مسهم الضر دعوا الله لا غيره وجواب ﴿إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ﴾ محذوف تقديره إن كنتم صادقين في دعواكم إن غير الله إله فهل تدعونه لكشف ما يحل بكم من العذاب ؟.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٦
﴿بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ﴾ ﴿أَيُّهَ﴾ ضمير نصب منفصل وتقدم الكلام عليه في قوله :﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ مستوفى. وقال ابن عطية : هنا ﴿أَيُّهَ﴾ اسم مضمر أجري مجرى المظهرات في أنه يضاف أبداً ؛ انتهى، وهذا مخالف لمذهب سيبويه، لأن مذهب سيبويه إن ما اتصل ب"ابا" من دليل تكلم أو خطاب أو غيبة وهو حرف لا اسم أضيف إليه أياً لأن المضمر عنده لا يضاف لأنه أعرف المعارف، فلو أضيف لزم من ذلك تنكره حتى يضاف ويصير إذ ذاك معرفة بالإضافة لا يكون مضمراً وهذا فاسد، ومجيئه هنا مقدماً على فعله دليل على الاعتناء بذكر المفعول وعند الزمخشري إن تقديمه دليل على الحصر والاختصاص، ولذلك قال : بل تخصونه بالدعاء دون الآلهة، والاختصاص عندنا والحصر فهم من سياق الكلام لا من تقديم المفعول على العامل و﴿بَلِ﴾ هنا للإضراب والانتقال من شيء إلى شيء من غير إبطال لما تضمنه الكلام السابق من معنى النفي لأن معنى الجملة السابقة النفي وتقديرها ما تدّعون أصنامكم لكشف العذاب وهذا كلام حق لا يمكن فيه الإضراب يعني الإبطال، و﴿مَآ﴾ من قوله ﴿مَا تَدَّعُونَ﴾ الأظهر أنها موصولة أي فيكشف الذي تدعون. قال ابن عطية : ويصح أن تكون ظرفية ؛ انتهى. ويكون مفعول يكشف محذوفاً أي فيكشف العذاب مدة دعائكم أي ما دمتم داعيه وهذا فيه حذف المفعول وخروج عن الظاهر لغير حاجة، ويضعفه وصل ﴿مَآ﴾ الظرفية بالمضارع وهو قليل جدًّا إنما بابها إن توصل بالماضي تقول ألا أكلمك ما طلعت الشمس ولذلك علة، أما ذكرت في علم النحو، قال ابن
١٢٨
عطية : ويصح أن تكون مصدرية على حذف في الكلام. وقال الزجاج : وهو مثل واسأل القرية ؛ انتهى. ويكون تقدير المحذوف فيكشف موجب دعائكم وهو العذاب، وهذه دعوى محذوف غير متعين وهو خلاف الظاهر والضمير في ﴿إِلَيْهِ﴾ عائد على ﴿مَآ﴾ الموصولة أي إلى كشفه ودعا بالنسبة إلى متعلق الدعاء يتعدى بإلى قال الله تعالى :﴿وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ﴾ الآية. وقال الشاعر :
وإن دعوت إلى جلي ومكرمةيوماً سراة كرام الناس فادعينا
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٦
وتتعدى باللام أيضاً قال الشاعر :
وإن أدع للجلي أكن من حماتها
وقال آخر :
دعوت لما نابني مسوراً


الصفحة التالية
Icon