﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ أي لعلهم يجتنبون الخوض في الآيات حياء منكم ورغبة في مجالستكم قاله مقاتل، أو ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ الوعيد بتذكيركم إياهم. وقيل : المعنى لا تقعدوا معهم
١٥٣
ولا تقربوهم حتى لا تسمعوا استهزاءهم وخوضهم، وليس نهيكم عن القعود لأن عليكم شيئاً من حسابهم وإنما هو ذكرى لكم لعلكم تتقون أي تثبتون على تقواكم وتزدادونها، فالضمير في ﴿لَعَلَّهُمْ﴾ عائد على ﴿الَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ ومن قال الخطاب في وإذا رأيت خاص بالرسول قال ﴿الَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ للمؤمنين دونه ومعناها الإباحة لهم دونه كأنه قال : يا محمد لا تقعد معهم وأما المؤمنون فلا شيء عليهم من حسابهم فإن قعدوا فليذكروهم ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ الله في ترك ما هم عليه. وقال هذا القائل : هذه الإباحة التي اقتضتها هذه الآية نسختها آية النساء وذكرى يحتمل أن تكون في موضع نصب أي ولكن تذكرونهم، ومن قال الإباحة كانت بسبب العبادات قال نسخ ذلك آية النساء أو ذكروهم وفي موضع رفع أي ولكن عليهم ذكرى وقدّره بعضهم ولكن هو ذكرى أي الواجب ذكرى. وقيل : هذا ذكرى أي النهي ذكرى. قال الزمخشري : ولا يجوز أن يكون عطفاً على محل من شيء كقولك : ما في الدار من أحد ولكن زيد لأن قوله :﴿مِنْ حِسَابِهِم﴾ يأبى ذلك ؛ انتهى. كأنه تخيل إن في العطف يلزم القيد الذي في المعطوف عليه وهو من حسابهم لأنه قيد في شيء فلا يجوز عنده أن يكون من عطف المفردات عطفاً على ﴿مِن شَىْءٍ﴾ على الموضع لأنه يصير التقدير عنده ﴿وَلَـاكِن ذِكْرَى ﴾ من حسابهم وليس المعنى على هذا وهذا الذي تخيله ليس بشيء لا يلزم في العطف "ولكن" ما ذكر تقول : ما عندنا رجل سوء ولكن رجل صدق وما عندنا رجل من تميم ولكن رجل من قريش، وما قام من رجل عالم ولكن رجل جاهل فعلى هذا الذي قررناه يجوز أن يكون من قبيل عطف الجمل كما تقدم، ويجوز أن يكون من عطف المفردات والعطف إنما هو للواو ودخلت ﴿لَـاكِنِ﴾ للاستدراك. قال ابن عطية : وينبغي للمؤمن أن يمتثل حكم هذه الآية الملحدين وأهل الجدل والخوض فيه. وحكى الطبري عن أبي جعفر أنه قال : لا تجالسوا أهل الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله تعالى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٤٣
﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا﴾ هذا أمر بتركهم وكان ذلك لقلة أتباع الإسلام حينئذ. قال قتادة : ثم نسخ ذلك وما جرى مجراه بالقتال. وقال مجاهد : إنما هو أمر تهديد ووعيد كقوله تعالى :﴿ذَرْنِى وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾ ولا نسخ فيها لأنها متضمنة خبراً وهو التهديد ودينهم ما كانوا عليه من البحائر والسوائب والجوامي والوصائل وعبادة الأصنام والطواف حول البيت عراة يصفرون ويصفقون أو الذي كلفوه ودعوا إليه وهو دين الإسلام ﴿لَعِبًا وَلَهْوًا﴾ حيث سخروا به واستهزؤوا، أو عبادتهم لأنهم كانوا مستغرقين في اللهو واللعب وشرب الخمر والعزف والرقص لم تكن لهم عبادة إلا ذلك أقوال ثلاثة وانتصب ﴿لَعِبًا وَلَهْوًا﴾ على المفعول الثاني لاتخذوا. وقال أبو عبد الله الرازي : الأقرب إن المحقق في ﴿الدِّينِ﴾ هو الذي ينصر الدّين لأجل أنه قام الدليل على أنه حق وصدق وصواب، وأما الذين ينصرونه ليتوسلوا به إلى أخذ المناصب والرئاسة وغلبة الخصم وجمع الأموال فهم نصروا الدّين للدنيا وقد حكم الله على الدّنيا في سائر الآيات بأنها لعب ولهو، فالآية إشارة إلى من يتوسل بدينه إلى دنياه وأكثر الخلق موصوفون بهذه الصفة ؛ انتهى، وفيه بعض تلخيص وظاهر تفسيره يقتضي أن ﴿اتَّخَذُوا ﴾ هنا متعدّية إلى واحد وإن انتصاب ﴿لَعِبًا وَلَهْوًا﴾ على المفعول من أجله فيصير المعنى اكتسبوا دينهم وعملوه وأظهروا اللعب واللهو أي للدّنيا واكتسابها ويظهر من بعض كلام الزمخشري
١٥٤


الصفحة التالية
Icon