ومجيء اللام بمعنى الباء قول غريب، وما ذكره ابن عطية عن سيبويه ليس كما ذكر بل ذلك مذهب الكسائي والفراء زعما أن لام كي تقع في موضع أن في أردت وأمرت، قال تعالى :﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِـاُوا ﴾ أي أن يطفئوا ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ﴾ أريد لأنسى ذكرها ورد ذلك عليهما أبو إسحاق، وذهب سيبويه وأصحابه إلى أن اللام هنا تتعلق بمحذوف وأن الفعل قبلها يراد به المصدر والمعنى الإرادة للبيان والأمر للإسلام فهما مبتدأ وخبر فتحصل في هذه اللام أقوال : أحدها إنها زائدة، والثاني أنها بمعنى كي للتعليل إما لنفس الفعل وإما لنفس المصدر المسبوك من الفعل، والثالث أنها لام كي أجريت مجرى أن، والرابع أنها بمعنى الباء وقد تكلمنا على هذه المسألة في كتاب التكميل وجاء لرب العالمين تنبيهاً على أنه مالك العالم كله معبودهم من الأصنام وغيرها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٤٣
﴿وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَواةَ وَاتَّقُوهُ﴾ أن هنا مصدرية واختلف في ما عطف عليه، قال الزجاج هو معطوف على قوله : لنسلم تقديره لأن نسلم و﴿أَنْ أَقِيمُوا ﴾. قال ابن عطية : واللفظ يمانعه لأنّ معرب و﴿أَنْ أَقِيمُوا ﴾ مبني وعطف المبني على المعرب لا يجوز لأن العطف يقتضي التشريك في العامل انتهى، وما ذكره من أنه لا يعطف المبني على المعرب وأنّ ذلك لا يجوز ليس كما ذكر، بل ذلك جائز نحو قام زيد وهذا، وقال تعالى :﴿يَقْدُمُ قَوْمَه يَوْمَ الْقِيَـامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ﴾ غاية ما في هذا أن العامل إذا وجد المعرب أثر فيه وإذا وجد المبني لم يؤثر فيه ويجوز إن قام زيد ويقصدني أحسن إليه، بجزم يقصدني فإنْ لم تؤثر في قام لأنه مبني وأثرت في يقصدني لأنه معرب، ثم قال ابن عطية : اللهم إلا أن يجعل العطف في إن وحدها وذلك قلق وإنما يتخرج على أن يقدر قوله :﴿أَنْ أَقِيمُوا ﴾ بمعنى وليقم ثم خرجت بلفظ الأمر لما في ذلك من جزالة اللفظ فجاز العطف على أن نلغي حكم اللفظ ونعوّل على المعنى، ويشبه هذا من جهة ما حكاه يونس عن العرب : أدخلوا الأول فالأول وإلا فليس يجوز إلا ادخلوا الأول فالأول بالنصب انتهى، وهذا الذي استدركه
١٥٩
ابن عطية بقوله اللهم إلا أن إلى آخره هو الذي أراده الزجاج بعينه وهو أنّ ﴿أَنْ أَقِيمُوا ﴾ معطوف على أن نسلم وأنّ كليهما علة للمأمور به المحذوف وإنما قلق عند ابن عطية لأنه أراد بقاء أن أقيموا على معناها من موضوع الأمر وليس كذلك لأن أن إذا دخلت على فعل الأمر وكانت المصدرية انسبك منها ومن الأمر مصدر، وإذا انسبك منهما مصدر زال منها معنى الأمر، وقد أجاز النحويون سيبويه وغيره أن توصل أن المصدرية الناصبة للمضارع بالماضي وبالأمر، قال سيبويه : وتقول : كتبت إليه بأن قم، أي بالقيام فإذا كان الحكم كذا كان قوله : لنسلم وأن أقيموا في تقدير للإسلام، ولإقامة الصلاة وأما تشبيه ابن عطية بقوله : ادخلوا الأول فالأول بالرفع فليس يشبهه لأن ادخلوا لا يمكن لو أزيل عنه الضمير أن يتسلط على ما بعده، بخلاف أن فإنها توصل بالأمر فإذاً لا شبه بينهما. وقال الزمخشري (فإن قلت) : كلام عطف قوله :﴿وَأَنْ أَقِيمُوا ﴾ (
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٤٣
قلت) : على موضع ﴿لِنُسْلِمَ﴾ كأنه قيل وأمرنا أن نسلم وأن أقيموا انتهى وظاهر هذا التقدير أنّ ﴿ءَانٍ﴾ في موضع المفعول الثاني لقوله : وأمرنا وعطف عليه وأن أقيموا فتكون اللام على هذا زائدة، وكان قد قدّم قبل هذا أن اللام تعليل للأمر فتناقض كلامه لأن ما يكون علة يستحيل أن يكون مفعولاً ويدل على أنه أراد بقوله ﴿ءَانٍ﴾ أنه في موضع المفعول الثاني قوله بعد ذلك، ويجوز أن يكون التقدير وأمرنا لأن نسلم ولأن أقيموا أي للإسلام ولإقامة الصلاة انتهى، وهذا قول الزجاج فلو لم يكن هذا القول مغايراً لقوله الأول : لاتحد قولاه وذلك خلف، وقال الزجاج : ويحتمل أن يكون ﴿الْعَـالَمِينَ * وَأَنْ أَقِيمُوا ﴾ معطوفاً على ﴿أَتَـانَا﴾. وقيل : معطوف على قوله :﴿إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى ﴾ والتقدير قل أن أقيموا وهذان القولان ضعيفان جدًّا، ولا يقتضيهما نظم الكلام، قال ابن عطية : يتجه أن يكون بتأويل وإقامة فهو عطف على المفعول المقدّر في أمرنا ؛ انتهى. وكان قد قدّر : وأمرنا بالإخلاص أو بالإيمان لأن نسلم وهذا قول لا بأس به وهو أقرب من القولين قبلة إذ لا بد من تقدير المفعول الثاني لأمرنا ويجوز حذف المعطوف عليه لفهم المعنى تقول : أضربت زيداً فتجيب نعم وعمراً التقدير ضربته وعمراً وقد أجاز الفراء جاءني الذي وزيد قائمان التقدير جاءني الذي هو وزيد قائمان فحذف هو لدلالة المعنى عليه والضمير المنصوب في ﴿وَاتَّقَوْا ﴾ عائد على رب العالمين.


الصفحة التالية
Icon