﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِا عَلَيْكُمْ سُلْطَـانًا ﴾ استفهام معناه التعجب والإنكار كأنه تعجب من فساد عقولهم حيث خوفوه خشباً وحجارة لا تضر ولا تنفع، وهم لا يخافون عقبي شركهم بالله وهو الذي بيده النفع والضر والأمر كله ﴿وَلا تَخَافُونَ﴾ معطوف على ﴿أَخَافُ﴾ فهو داخل في التعجب والإنكار واختلف متعلق الخوف فبالنسبة إلى إبراهيم علق الخوف بالأصنام وبالنسبة إليهم علقه بإشراكهم بالله تعالى تركاً للمقابلة، ولئلا يكون الله عديل أصنامهم لو كان التركيب ولا تخافون الله تعالى وأتى بلفظ ﴿مَآ﴾ الموضوعة لما لا يعقل لأن الأصنام لا تعقل إذ هي حجارة وخشب وكواكب، والسلطان الحجة والإشراك لا يصح أن يكون عليه حجة وكأنه لما أقام الدليل العقلي على بطلان الشركاء وربوبيتهم، نفى أيضاً أن يكون على ذلك دليل سمعي فالمعنى أن ذلك ممتنع عقلاً وسمعاً فوجب اطراحه، وقرىء سلطاناً بضم اللام والخلاف هل ذلك لغة فيثبت به بناء فعلان بضم الفاء والعين أو هو اتباع فلا يثبت به.
﴿فَأَىُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالامْنِا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ لما خوفوه في مكان الأمن ولم يخافوا في مكان الخوف أبرز الاستفهام في صورة الاحتمال وإن كان قد علم قطعاً أنه هو الآمن لاهم كما قال الشاعر :
١٧٠
فلئن لقيتك خاليين لتعلمنأني وايك فارس الأحزاب
أي أينا ومعلوم عنده أنه هو فارس الأحزاب لا المخاطب وأضاف أيا إلى الفريقين، ويعني فريق المشركين وفريق الموحدين وعدل عن أينا أحق بالأمن أنا أم أنتم احترازاً من تجريد نفسه فيكون ذلك تزكية لها، وجواب الشرط محذوف أي إن كنتم من ذوي العلم والاستبصار فأخبروني أي هذين الفريقين أحق بالأمن.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦١
﴿الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَـانَهُم بِظُلْمٍ أُوالَئاِكَ لَهُمُ الامْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ الظاهر أنه من كلام إبراهيم لما استفهمهم استفهام عالم بمن هو الآمن وأبرزه في صورة السائل الذي لا يعلم استأنف الجواب عن السؤال، وصرح بذلك المحتمل فقال : الفريق الذي هو أحق بالأمن هم الذين آمنوا، وقيل : هو من كلام قوم إبراهيم أجابوا بما هو حجة عليهم، وقيل : هو من كلام الله أمر إبراهيم أن يقوله لقومه أو قاله على جهة فصل القضاء بين خلقه وبين من حاجه قومه، واللبس الخلط والذين آمنوا : ابراهيم وأصحابه وليست في هذه الأمة قاله علي وعنه ابراهيم خاصة أو من هاجر إلى المدينة، قاله عكرمة أو عامة قاله بعضهم وهو الظاهر، والظلم هنا الشرك قاله ابن مسعود وأبيّ، وعن جماعة من الصحابة أنه لما نزلت أشفق الصحابة وقالوا : أينا لم يظلم نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"إنما ذلك كما قال لقمان :﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ " ولما قرأها عمر عظمت عليه فسأل أبياً فقال : إنه الشرك يا أمير المؤمنين فسرى عنه وجرى لزيد بن صوحان مع سلمان نحو مما جرى لعمر مع أبيّ، وقرأ مجاهد :﴿وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَـانَهُم﴾ بشرك ولعل ذلك تفسير معنى إذ هي قراءة تخالف السواد، وقال الزمخشري : أي لم يخلطوا إيمانهم بمعصية تفسقهم وأبى تفسير الظلم بالكفر لفظ اللبس انتهى، وهذه دفينة اعتزال أي إن الفاسق، ليس له الأمن إذا مات مصراً على الكبيرة، وقوله : وأبى تفسير الظلم بالكفر لفظ اللبس هذا رد على من فسر الظلم بالكفر، والشرك وهم الجمهور وقد فسره الرسول صلى الله عليه وسلّم بالشرك فوجب قبوله ولعل الزمخشري لم يصح له ذلك عن الرسول، وإنما جعله يأباه لفظ اللبس لأن اللبس هو الخلط فيمكن أن يكون الشخص في وقت واحد مؤمناً عاصياً معصية تفسقه، ولا يمكن أن يكون مؤمناً مشركاً في وقت واحد ﴿وَلَمْ يَلْبِسُوا ﴾ يحتمل أن يكون معطوفاً على الصلة ويحتمل أن يكون حالاً دخلت واو الحال على الجملة المنفية بلم كقوله تعالى :﴿أَنَّى يَكُونُ لِى غُلَـامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ﴾ وما ذهب إليه ابن عصفور من أن وقوع الجملة المنفية بلم قليل جداً وابن خروف من وجوب الواو فيها وإن كان فيها ضمير يعود على ذي الحال خطأ بل ذلك قليل وبغير الواو كثير على ذلك لسان العرب، وكلام الله، وقرأ عكرمة :﴿وَلَمْ يَلْبِسُوا ﴾ بضم الياء ويجوز في ﴿الَّذِينَ﴾ أن يكون خبر مبتدأ محذوف وأن يكون خبره المبتدأ والخبر الذي هو ﴿أُوالَئاِكَ لَهُمُ الامْنُ﴾ وأبعد من جعل لهم الأمن خبر الذين وجعل أولئك فاصلة وهو النحاس والحوفي.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦١
﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَـاهَآ إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِا﴾ الإشارة بتلك إلى ما وقع به
١٧١


الصفحة التالية
Icon