﴿فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَـافِرِينَ﴾ الظاهر أن الضمير في ﴿بِهَآ﴾ عائد إلى النبوة لأنها أقرب مذكور، وقال الزمخشري :﴿بِهَآ﴾ بالكتاب والحكم والنبوة فجعل الضمير عائداً على الثلاثة وهو أيضاً له ظهور، والإشارة بهؤلاء إلى كفار قريش وكل كافر في ذلك العصر، قاله ابن عباس وقتادة والسدّي وغيرهم، وقال الزمخشري :﴿هَـا ؤُلاءِ﴾ يعني أهل مكة انتهى وقال السدّي، وقال الحسن : أمّة الرسول ومعنى ﴿وَكَّلْنَا﴾ أرصدنا للإيمان بها والتوكيل هنا استعارة للتوفيق للإيمان بها والقيام بحقوقها كما يوكل الرجل بالشيء ليقوم به ويتعهده ويحافظ عله، والقوم الموكلون بها هنا هم الملائكة قاله أبو رجاء، أو مؤمنوا أهل المدينة قاله ابن عباس وقتادة والضحاك والسدي، وقال الزمخشري :﴿قَوْمًا﴾ هم الأنبياء المذكورون ومن تابعهم بدليل قوله ﴿أُوالَئاِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ انتهى. وهو قول الحسن وقتادة أيضاً قالا : المراد بالقوم من تقدّم ذكره من الأنبياء والمؤمنين، وقيل : الأنبياء الثمانية عشر المتقدم ذكرهم واختاره الزجاج وابن جرير لقوله بعد ﴿أُوالَئاِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾. وقيل : المهاجرون والأنصار، وقيل : كل من آمن بالرسول، وقال مجاهدهم الفرس والآية وإن كان قد فسر بها مخصوصون فمعناها عام في الكفرة والمؤمنين إلى يوم القيامة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦١
﴿أُوالَئاِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّه فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ الإشارة بأولئك إلى المشار إليهم بأولئك الأولى وهم الأنبياء السابق ذكرهم وأمره تعالى أن
١٧٥
يقتدى بهداهم، والهداية السابقة هي توحيد الله تعالى وتقديسه عن الشريك، فالمعنى فبطريقتهم في الإيمان بالله تعالى وتوحيده وأصول الدين دون الشرائع، فإنها مختلفة فلا يمكن أن يؤمر بالاقتداء بالمختلفة وهي هدى ما لم تنسخ فإذا نسخت لم تبق هدى بخلاف أصول الدين فإنها كلها هدى أبداً. وقال تعالى :﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾. وقال ابن عطية : ويحتمل أن تكون الإشارة بأولئك إلى وذلك يترتب على بعض التأويلات في المراد بالقوم على بعضها انتهى، ويعني أنه إذا فسر القوم بالأنبياء المذكورين أو بالملائكة فيمكن أن تكون الإشارة إلى قوم وإن فسروا بغير ذلك فلا يصح، وقيل : الاقتداء في الصبر كما صبر من قبله، وقيل : يحمل على كل هداهم إلا ما خصه الدليل، وقيل : في الأخلاق الحميدة من الصبر على الأذى والعفو، وقال : في ريّ الظمآن أمر الله تعالى نبيه في هذه الآية بمكارم الأخلاق فأمر بتوبة آدم وشكر نوح ووفاء إبراهيم وصدق وعد إسماعيل وحلم إسحاق وحسن ظنّ يعقوب ؟ واحتمال يوسف وصبر أيوب وإثابة داود وتواضع سليمان وإخلاص موسى وعبادة زكريا وعصمة يحيى وزهد عيسى، وهذه المكارم التي في جميع الأنبياء اجتمعت في الرسول صلى الله عليه وسلّم وعليهم أجمعين ولذلك وصفه تعالى بقوله :﴿مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. وقال الزمخشري :﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ فاختص هداهم بالاقتداء ولا يقتدى إلا بهم، وهذا بمعنى تقديم المفعول وهذا على طريقته في أن تقديم المفعول يوجب الاختصاص وقد رددنا عليه ذلك في الكلام على ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾. وقرأ الحرميان وأهل حرميهما وأبو عمرو اقتده بالهاء ساكنة وصلاً ووقفاً وهي هاء السكت أجر وهاء وصلاً مجراها وقفاً، وقرأ الأخوان بحذفها وصلاً وإثباتها وقفاً وهذا هو القياس، وقرأ هشام اقتده باختلاس الكسرة في الهاء وصلاً وسكونها وقفاً، وقرأ ابن ذكوان بكسرها ووصلها بياء وصلاً وسكونها وقفاً ويؤول على أنها ضمير المصدر لا هاء السكت، وتغليظ ابن مجاهد قراءة الكسر غلط منه وتأويلها على أنهاها، السكت ضعيف.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦١
﴿قُل لا أَسْـاَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَى لِلْعَـالَمِينَ﴾ أي على الدعاء إلى القرآن وهو الهدى والصراط المستقيم. ﴿أَجْرًا﴾ أي أجرة أتكثر بها وأخص بها إن القرآن إلا ذكرى موعظة لجميع العالمين.


الصفحة التالية
Icon