﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى ﴾ الظاهر أن المعنى أنه تعالى ﴿فَالِقُ الْحَبِّ﴾ شاقه فمخرج منه ﴿الْحَبِّ وَالنَّوَى ﴾ فمخرج منه الشجر، والحب والنوى عامّان أي كل حبة وكل نواة وبه قال قتادة والضحاك والسدي وغيرهم قالوا : هذه إشارة إلى فعل الله في أن يشق جميع الحب عن جميع النبات الذي يكون منه ويشق النوى عن جميع الأشجار الكائنة عنه ؛ وقال ابن عباس والضحاك أيضاً ﴿فَالِقُ﴾ بمعنى خالق ؛ قيل ولا يعرف ذلك في اللغة، وقال تاج القراء : فطر وخلق وفلق بمعنى واحد، وقال مجاهد وأبو مالك : إشارة في الشق الذي في حبة البرّ ونواة التمر، وقال اسماعيل الضرير : المعنى فالق ما فيه الحب من السنبل وما فيه النوى من التمر وأما أشبهه، وقال الماتريدي وخصهما بالذكر لأن جميع ما في الدنيا من الإبدال منهما فأضاف ذلك إلى نفسه كما أضاف خلق جميع البشر إلى نفس واحدة لأنهم منها في قوله ﴿خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ فكأنه قال : خالق الإبدال كلها انتهى، ولما كان قد تقدم ذكر البعث نبه على قدرته تعالى الباهرة في شق النواة مع صلابتها وإخراجه منها نبتاً أخضر ليناً إلى ما بعد ذلك مما فيه إشارة إلى القدرة التامة والبعث والنشر بعد الموت، وقرأ عبد الله ﴿فَالِقُ الْحَبِّ﴾ جعله فعلاً ماضياً.
﴿يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَىِّ﴾ تقدم تفسير هذا في أوائل آل عمران وعطف قوله :
١٨٤
﴿وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ﴾ على قوله :﴿فَالِقُ الْحَبِّ﴾ اسم فاعل على اسم فاعل ولم يعطفه على يخرج لأن قوله :﴿فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى ﴾ من جنس إخراج الحيّ من الميت لأن النامي في حكم الحيوان ألا ترى إلى قوله :﴿فَأَحْيَا بِهِ الارْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ فوقع قوله :﴿يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾ من قوله :﴿فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى ﴾ موقع الجملة المبينة فلذلك عطف اسم الفاعل لا على الفعل ولما كان هذا مفقوداً في آل عمران وتقدم قبل ذلك جملتان فعليتان وهما ﴿بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ الَّيْلَ فِى﴾ كان العطف بالفعل على أنه يجوز أن يكون معطوفاً وهو اسم فاعل على المضارع لأنه في معناه كما قال الشاعر :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٨٣
بات يغشيها بعضب باتريقصد في أسوقها وجائر
﴿ذَالِكُمُ اللَّه فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ أي ذلكم المتصف بالقدرة الباهرة فأني تصرفون عن عبادته وتوحيده والإيمان بالبعث إلى عبادة غيره واتخاذ شريك معه وإنكار البعث.
﴿فَالِقُ الاصْبَاحِ﴾ مصدر سمي به الصبح، قال الشاعر :
ألا أيها الليل الطويل ألا انجليبصبح وما الإصباح منك بأمثل
(فإن قلت) : الظلمة هي التي تنفلق عن الصبح كما قال الشاعر :
تفرّي ليل عن بياض نهار.
فالجواب من وجوه : أحدها : أن يكون ذلك على حذف مضاف أي فالق ظلمة الإصباح وهي الغبش الذي يلي الصبح أو يكون على ظاهره ومعناه فالقه عن بياض النار. وقالوا : انصدع الفجر وانشق عمود الفجر، قال الشاعر :
فانشق عنها عمود الصبح جافلةعدو النحوص تخاف القانص اللحيا
وسموا الفجر فلقاً بمعنى مفلوق أو يكون المعنى مظهر الإصباح إلا أنه لما كان الفلق مقتضياً لذلك الإظهار أطلق على الإظهارفلقاً والمراد المسبب وهو الإظهار، وقيل :﴿فَالِقُ الاصْبَاحِ﴾ خالق، وقال مجاهد : الإصباح إضاءة الفجر، وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس أن ﴿الاصْبَاحِ﴾ ضوء الشمس بالنهار وضوء القمر بالليل، وقال الليث والفراء والزجاج : الصبح والصباح والإصباح أول النهار قال :
أفنى رياحاً وبني رياحتناسخ الإمساء والإصباح
يريد المساء والصباح ويروى بفتح الهمزة جمع مسي وصبح، وقال ابن عباس أيضاً : معناه خالق النهار والليل، وقال الكرماني : شاق عمود الصبح عن الظلمة وكاشفه، وقرأ الحسن وعيسى أبو رجاء الأصباح بفتح الهمزة جمع صبح وقرأت فرقة بنصب الأصباح وحذف تنوين فالق وسيبويه إنما يجوز هذا في الشعر نحو قوله :
ولا ذاكر اللَّه إلا قليلاً
حذف التنوين لالتقاء الساكنين والمبرد يجوّزه في الكلام، وقرأ النخعي وابن وثاب وأبو حيوة فلق الإصباح فعلاً ماضياً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٨٣
﴿فَالِقُ الاصْبَاحِ وَجَعَلَ الَّيْلَ سَكَنًا﴾ لما استدل على باهر حكمته وقدرته بدلالة أحوال
١٨٥