فقال له : إن شئت صبح الصفا ذهباً فإن لم يؤمنوا هلكوا عن آخرهم معاجلة كما فعل بالأمم الماضية، إذ لم يؤمنوا بالآيات المقترحة وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم فقال :"بل حتى يتوب تائبهم، وإنما اقترحوا آية معينة لأنهم شكوا في القرآن ولهذا قالوا : دارست أي العلماء وباحثت أهل التوراة والإنجيل وكابر أكثرهم وعاند، والمعنى أنهم حلفوا غاية حلفهم وسمي الحلف قسماً لأنه يكون عند انقسام الناس إلى التصديق والتكذيب فكأنه يقوي القسم الذي يختاره، قال التبريزي : الإقسام إفعال من القسم الذي هو بمعنى النصيب والقسمة، وكان إقسامهم بالله غاية في الحلف وكانوا يقسمون بآبائهم وآلهتهم فإذا كان الأمر عظيماً أقسموا بالله تعالى، والجهد : بفتح الجيم المشقة وبضمها الطاقة ومنهم من يجعلهما بمعنى واحد وانتصب جهد على المصدر المنصوب بأقسموا أي أقسموا جهد إقساماتهم والأيمان بمعنى الإقسامات كما تقول : ضربته أشد الضربات، وقال الحوفي : مصدر في موضع الحال من الضمير في ﴿أَقْسَمُوا ﴾ أي مجتهدين في أيمانهم، وقال المبرد : مصدر منصوب بفعل من لفظه وقد تقدم الكلام على ﴿جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ في المائدة، ولئن جاءتهم أخبار عنهم لا حكاية لقولهم إذ لو حكي قولهم لكان لئن جاءتنا آية وتعامل الإخبار عن القسم معاملة حكاية القسم بلفظ ما نطق به المقسم، وأنه لا يراد بها مطلق آية إذ قد جاءتهم آيات كثيرة ولكنهم أرادوا آية مقترحة كما ذكرناه، وقرأ طلحة بن مصرّف ﴿لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا ﴾ مبنياً للمفعول وبالنون الخفيفة.
﴿قُلْ إِنَّمَا الايَاتُ عِندَ اللَّهِ﴾ هذا أمر بالردّ عليهم وأن مجيء الآيات ليس لي إنما ذلك لله تعالى وهو القادر عليها ينزلها على وجه المصلحة كيف شاء لحكمته وليست عندي فتقترح علي.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٨٣
﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ استفهامية ويعود عليها ضمير الفاعل في ﴿يُشْعِرُكُمْ﴾، وقرأ قوم بسكون ضمة الراء، وقرىء باختلاسها وأما الخطاب فقال مجاهد وابن زيد : هو للكفار، وقال الفراء وغيره : المخاطب بها المؤمنون، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والعليمي والأعشى عن أبي بكر، وقال ابن عطية ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية داود الإيادي أنها بكسر الهمزة، وقرأ باقي السبعة بفتحها، وقرأ ابن عامر وحمزة لا تؤمنون بتاء الخطاب، وقرأ باقي السبعة بياء الغيبة فترتبت أربع قراءات الأولى كسر الهمزة والياء وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وأبي بكر بخلاف عنه في كسر الهمزة وهذه قراءة واضحة، أخبر تعالى أنهم ﴿لا يُؤْمِنُونَ﴾ البته على تقدير مجيء الآية وتم الكلام عند قوله :﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ﴾ ومتعلق ﴿يُشْعِرُكُمْ﴾ محذوف أي ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ﴾ ما يكون فإن كان الخطاب للكفار كان التقدير ﴿وَمَآ﴾ ما يكون منكم ثم أخبر على جهة الالتفات بما علمه من حالهم لو جاءتهم الآيات وإن كان الخطاب للمؤمنين كان التقدير ﴿اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ﴾ أيها المؤمنون ما يكون منهم، ثم أخبر المؤمنين بعلمه فيهم، القراءة الثانية كسر الهمزة والتاء وهي رواية العليمي والأعشى عن أبي بكر عن عاصم، والمناسب أن يكون الخطاب للكفار في هذه القراءة كأنه قيل : وما يدريكم أيها الكفار ما يكون منكم ثم أخبرهم على جهة الجزم أنهم لا يؤمنون على تقدير مجيئها ويبعد جداً أن يكون الخطاب في ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ﴾ للمؤمنين وفي لا تؤمنون للكفار، القراءة الثالثة فتح الهمزة والتاء وهي قراءة نافع والكسائي وحفص، فالظاهر أن الخطاب للمؤمنين والمعنى وما يدريكم أيها المؤمنون أن الآية التي تقترحونها إذا جاءت
٢٠١
لا يؤمنون بها يعني أنا أعلم أنها إذا جاءت لا يؤمنون وأنتم لا تدرون بذلك، وكان المؤمنون يطمعون في إيمانهم إذا جاءت تلك الآية، ويتمنون مجيئها فقال : وما يدريكم أنهم لا يؤمنون على معنى أنكم لا تدرون ما سبق علمي به من أنهم لا يؤمنون ألا ترى إلى قوله ﴿كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ ويبعد جداً أن يكون الخطاب في ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ﴾ للكفار وأن في هذه القراءة مصدرية ولا على معناها من النفي، وجعل بعض المفسرين أن هنا بمعنى لعل وحكي من كلامهم ذلك قالوا : إيت السوق إنك تشتري لحماير بدون لعلك، وقال امرؤ القيس :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٨٣
عوجاً على الطلل المحيل لأننانبكي الديار كما بكى ابن حرام


الصفحة التالية
Icon