وذكر ذلك أبو عبيدة وغيره ولعل تأتي كثيراً في مثل هذا الموضع قال تعالى :﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّه يَزَّكَّى ﴾ ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾ وفي مصحف أبي وما أدراكم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون وضعف أبو علي هذا القول بأن التوقع الذي يدل عليه لعل لا يناسب قراءة الكسر، لأنها تدل على حكمه تعالى عليهم بأنهم لا يؤمنون لكنه لم يجعل أنها معمولة بل جعلها علة على حذف لامها والتقدير عنده ﴿بِهَا قُلْ إِنَّمَا الايَـاتُ عِندَ اللَّهِ﴾ لأنها إذا جاءت لا يؤمنون فهو لا يأتي بها لإصرارهم على كفرهم فيكون نظير وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون أي بالآيات المقترحة انتهى، ويكون ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ﴾ اعتراضاً بين المعلول وعلته إذ صار المعنى :﴿قُلْ إِنَّمَا الايَـاتُ عِندَ اللَّهِ﴾ أي المقترحة لا يأتي بها لانتفاء أيمانهم وإصرارهم على ضلالهم وجعل بعضهم لا زائدة فيكون المعنى وما يدريكم بإيمانهم كما قالوا : إذا جاءت وإنما جعلها زائدة لأنها لو بقيت على النفي لكان الكلام عذراً للكفار وفسد المراد بالآية قاله ابن عطية، قال وضعف الزجاج وغيره زيادة لا، انتهى. قول ابن عطية والقائل بزيادة لا هو الكسائي والفراء، وقال الزجاج : زعم سيبويه أن معناها لعلها إذا جاءت لا يؤمنون وهي قراءة أهل المدينة، قال : وهذا الوجه أقوى في العربية والذي ذكر أن لا لغو غالط لأن ما كان لغواً لا يكون غير لغو ومن قرأ بالكسر فالإجماع على أن لا غير لغو فليس يجوز أن يكون المعنى مرة إيجاباً ومرة غير ذلك في سياق كلام واحد، وتأول بعض المفسرين الآية على حذف معطوف يخرج لا عن الزيادة وتقديره ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ أو يؤمنون أي ما يدريكم بانتفاء الإيمان أو وقوعه، ذكره النحاس وغيره، ولا يحتاج الكلام إلى زيادة لا ولا إلى هذا الإضمار ولا لا يكون أن بمعنى لعل وهذا كله خروج عن الظاهر لفرضه بل حمله على الظاهر أولى وهو واضح سائغ كما بحثناه أولاً أي ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ﴾ ويدريكم بمعرفة انتفاء إيمانهم لا سبيل لكم إلى الشعور بها، القراءة الرابعة : فتح الهمزة والتاء وهي قراءة ابن عامر وحمزة، والظاهر أنه خطاب للكفار ويتضح معنى هذه القراءة على زيادة لا أي وما يدريكم أنكم تؤمنون إذا جاءت كما أقسمتم عليه، وعلى تأويل أن بمعنى لعل وكون لا نفياً أي وما يدريكم بحالهم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون بها وكذلك يصح المعنى على تقدير حذف المعطوف أي وما يدريكم بانتفاء إيمانكم إذا جاءت أو وقوعه لأن مآل أمركم مغيب عنكم فكيف تقسمون على الإيمان إذا جاءتكم الآية، وكذلك يصح معناها على تقدير أي على أن تكون أنها علة أي
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٨٣
﴿قُلْ إِنَّمَا الايَـاتُ عِندَ اللَّهِ﴾ فلا يأتيكم بها لأنها ﴿إِذَا جَآءَتْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ وما يشعركم بأنكم تؤمنون وأما على إقرار أن ﴿أَنَّهَآ﴾ معمولة وبقاء ﴿لِفَتَـاهُ لا﴾ على النفي فيشكل معنى هذه القراءة لأنه يكون المعنى ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ﴾ أيها الكفار بانتفاء إيمانكم إذا جاءتكم الآية المقترحة، والذي يناسب صدر الآية ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ﴾ بوقوع الإيمان منكم إذا جاءت، وقد يصح أن
٢٠٢
يكون التقدير : وأيّ شيء يشعركم بانتفاء الإيمان إذا جاءت، أي لا يقع ذلك في خواطركم بل أنتم مصممون على الإيمان إذا جاءت، وأنا أعلم أنكم لا تؤمنون إذا جاءت لأنكم مطبوع على قلوبكم. وكم آية جاءتكم فلم تؤمنوا. وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن ما في قوله ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ﴾ نافية والفاعل بيشعركم ضمير يعود على الله، ويتكلف معنى الآية على جعلها نافية، سواء فتحت أن أم كسرت. ومتعلق ﴿لا يُؤْمِنُونَ﴾ محذوف وحسن حذفه كون ما يتعلق به وقع فاصلة، وتقديره ﴿لا يُؤْمِنُونَ﴾ بها وقد اتضح من ترتيب هذه القراءات الأربع أنه لا يصلح أن يكون الخطاب للمؤمنين على الإطلاق ولا للكفار على الإطلاق، بل الخطاب يكون على ما يصح به المعنى الذي للقراءة.


الصفحة التالية
Icon