﴿كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ أي مثل ذلك الجعل جعله الصدر ﴿ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ ويبعد ما قاله الزجاج : أي مثل ما قصصنا عليك ﴿يَجْعَلْ﴾ ومعنى يجعل الله الرجس يلقى الله أو يصير الله العذاب والرجس بمعنى العذاب قاله أهل اللغة. وتعدية ﴿يَجْعَلْ﴾ بعلى يحتمل أن يكون معناه نلقي كما تقول : جعلت متاعك بعضه على بعض وأن تكون بمعنى يصير وعلى في موضع المفعول الثاني. وقال الزمخشري :﴿يَجْعَلْ﴾ الله يعني الخذلان ومنع التوفيق وصفه بنقيض ما يوصف به التوفيق من الطيب أو أراد الفعل المؤدّي إلى الرجس وهو العذاب من الارتجاس وهو الاضطراب ؛ انتهى. وهو على طريقة الاعتزالي ونقيض الطيب النتن الرائحة الكريهة، والرجس والنجس بمعنى واحد قاله بعض أهل الكوفة. وقال مجاهد : الرجس كل ما لا خير فيه. وقال عطاء وابن زيد وأبو عبيدة : الرجس العذاب في الدنيا والآخرة. وقال الزجاج : اللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة، وقيل : الرجس السخط. وقال إسماعيل الضرير : الرجس التعذيب وأصله النتن النجس وهو رجاسة الكفر.
٢١٨
﴿وَهَـاذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا ﴾ الإشارة بقوله :﴿وَهَـاذَآ﴾ إلى القرآن والشرع الذي جاء به الرسول قاله ابن عباس، أو القرآن قاله ابن مسعود، أو التوحيد قاله بعضهم، أو ما قرره في الآيات المتقدّمة في هذه الآية وفي غيرها من سبل الهدى وسبل الضلالة. وقال الزمخشري :﴿وَهَـاذَا صِرَاطُ رَبِّكَ﴾ طريقه الذي اقتضته الحكمة وعادته في التوفيق والخذلان ونحو منه قول إسماعيل الضرير يعني هذا صنع ربك وهذا إشارة إلى الهدى والضلال، وأضيف الصراط إلى الرب على جهة أنه من عنده وبأمره ﴿مُّسْتَقِيمًا﴾ لا عوج فيه وانتصب ﴿مُّسْتَقِيمًا﴾ على أنه حال مؤكدة.
﴿قَدْ فَصَّلْنَا الايَـاتِ﴾ أي بيناها ولم نترك فيها إجمالاً ولا التباساً.
﴿لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ يتدبرون بعقولهم وكأن الآيات كانت شيئاً غائباً عنهم لم يذكروها فلما فصلت تذكروها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٠٤
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٠
﴿لَهُمْ دَارُ السَّلَـامِ عِندَ رَبِّهِم وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أي لهم الجنة و﴿السَّلَـامُ﴾ اسم من أسماء الله تعالى كما قيل في الكعبة بيت الله قاله ابن عباس وقتادة وأضيفت إليه تشريفاً أو دار السلامة من كل آفة والسلام والسلامة بمعنى كاللذاد واللذاذة والضلال والضلالة قاله الزجاج، أو ﴿دَارُ السَّلَـامِ﴾ بمعنى التحية لأن تحية أهلها فيها سلام قاله أبو سليمان الدمشقي، ومعنى ﴿عِندَ رَبِّهِمْ﴾ في نزله وضيافته كما تقول : نحن اليوم عند فلان أي في كرامته وضيافته قاله قوم، أو في الآخرة بعد الحشر قاله ابن عطية، أو في ضمانه كما تقول فلان : عليّ حق لا ينسى أو ذخيرة لهم لا يعلمون كنهها لقوله :﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ قاله قوم منهم الزمخشري أو على حذف مضاف، أو عند لقاء ربهم قاله قوم أوفي جواره كما جاء في جوار الرحمن في جنة عدن على الظرفية المجازية الدالة على شرف الرتبة والمنزلة، كما قاله في صفة الملائكة ﴿وَمَنْ عِندَه لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ﴾، وكما قال ﴿فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر﴾ وكما قال ابن ﴿لِى عِندَكَ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ﴾ وهو وليهم أي مواليهم ومحبهم أو ناصرهم على أعدائهم أو متوليهم بالجزاء على أعمالهم.