﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ﴾ جميعاً ﴿جَمِيعًا يَـامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الانسِ﴾ الظاهر العموم في الثقلين لتقدم ذكر الشياطين وهم الجنّ والكفرة أولياؤهم والمؤمنون الذين ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلَـامِ﴾ قال معناه الزمخشري وابن عطية، قال ابن عطية : ويدل عليه التأكيد العام بقوله :﴿جَمِيعًا﴾. وقال التبريزي : وهذا النداء يدل على أن الضمير في يحشرهم دخل فيه الجنّ حين حشرهم ثم ناداهم، أما الثقلان فحسب أو هما وغيرهما من الخلائق ؛ انتهى. ومن جعل ويوم معطوفاً على ﴿بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ويوم نحشرهم فالعامل في الظرف وليهم وكان الضمير خاصاً بالمؤمنين وهو بعيد، والأولى أن يكون الظرف معمولاً لفعل القول المحكى به النداء أي ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ﴾ وهو أولى مما أجاز بعضهم من نصبه باذكر مفعولاً به بخروجه عن الظرفية ومما أجاز الزمخشري من نصبه بفعل مضمر غير فعل القول واذكر تقديره عنده ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ﴾ وقلنا ﴿كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ﴾ كان ما لا يوصف لفظاعته لاستلزامه حذف جملتين من الكلام جملة وقلنا وجملة العامل، وقدر الزجاج فعل القول المحذوف مبنياً للمفعول التقدير فيقال لهم لأنه يبعد أن يكلمهم الله شفاها بدليل قوله ﴿وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ﴾ ونداؤهم نداء شهرة وتوبيخ على رؤوس الأشهاد والمعشر الجماعة ويجمع على المعاشر كما جاء نحن معاشر الأنبياء لا نورث. وقال الأفوه :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٠
فينا معاشر لن يبنوا لقومهموإن بنى قومهم ما أفسدوا وعادوا
ومعنى الاستكثار هنا إضلالهم منهم كثيراً وجعلهم أتباعهم كما تقول : استكثر فلان من الجنود واستكثر فلان من الأشياع. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة : أفرطتم في إضلالهم وإغوائهم. وقرأ حفص يحشرهم بالياء وباقي السبعة بالنون.
﴿وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الانسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا الَّذِى أَجَّلْتَ لَنَا ﴾ وقال : أولياء الجن أي الكفار من الإنس ﴿رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ﴾ انتفع ﴿بَعْضُنَا بِبَعْضٍ﴾ فانتفاع الإنس بالشياطين حيث دلوهم على الشهوات وعلى التوصلات إليها، وانتفاع الجن بالإنس حيث أطاعوهم وساعدوهم على مرادهم في إغوائهم روي هذا المعنى عن ابن عباس وبه قال محمد بن كعب والزجاج. وقال ابن عباس أيضاً ومقاتل : استمتاع الإنس بالجن قول بعضهم : أعوذ بعظيم هذا الوادي من شر أهله إذا بات بالوادي في سفره، واستمتاع الجن بالإنس افتخارهم على قومهم وقولهم : قد سدنا الإنس حتى صاروا يعوذون بنا. قال الكرماني : كانوا يعتقدون أن الأرض مملوءة جناً وأن من لم يدخله جني في جواره خبله الآخرون، وكذلك كانوا إذا قتلوا صيد استعاذوا بهم لأنهم يعتقدون أن هذه البهائم للجن منها مراكبهم. وقيل : في كون عظامهم طعاماً للجن وأرواث دوايهم علفاً واستمتاع الإنس بالجن استعانتهم بهم على مقاصدهم حين يستخدمونهم بالعزائم، أو يلقون إليهم بالمودة ؛ انتهى. ووجوه الاستمتاع كثيرة تدخل هذه الأقوال كلها تحتها فينبغي أن يعتقد في هذه الأقوال إنها تمثيل في الاستمتاع لا حصر في واحد منها، وظاهر قوله :﴿اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ﴾ أي بعض الإنس بالجن وبعض الجن بالإنس. وقيل : المعنى استمتع بعض الإنس ببعضه وبعض الجن ببعضه، جعل الاستمتاع لبعض الصنف لبعض والقول السابق بعض الصنفين ببعض الصنفين والأجل الذي بلغوه الموت قاله الجمهور وابن عباس والسدي وغيرهما. وقيل : البعث والحشر ولم يذكر الزمخشري غيره. وقيل : هو الغاية التي انتهى إليها جميعهم من الاستمتاع وهذا القول منهم اعتذار عن الجن في كونهم استكثروا منهم وإشارة إلى أن ذلك بقدرك وقضائك إذ لكل كتاب أجل واعتراف بما كان منهم من طاعة الشياطين واتباع الهوى والتكذيب بالبعث واستسلام وتحسر على حالهم. وقرىء آجالنا على الجمع الذي على التذكير والإفراد. قال أبو علي : هو جنس أوقع الذي موقع التي ؛ انتهى. وإعرابه عندي بدل كأنه قيل : الوقت الذي وحينئذ يكون جنساً ولا يكون إعرابه نعتاً لعدم المطابقة وفي قوله :﴿وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا الَّذِى أَجَّلْتَ لَنَا ﴾ دليل على المعتزلة في قولهم : بالأجلين لأنهم أقروا بذلك وفيهم المعقول وغيره.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٠


الصفحة التالية
Icon