﴿سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ هذه ذمّ بالغ عام لأحكامهم فيندرج فيه حكمهم هذا السابق وغيره. وقال الزمخشري : في إيثارهم آلهتهم على الله وعملهم ما لم يشرع لهم. وقال الماتريدي : أي بئس الحكم حكمهم حيث قرنوا حقي بحق الأصنام وبخسوني. وقيل :﴿سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ لأنفسهم، والظاهر أن ﴿سَآءَ﴾ هنا مجراة مجرى بئس في الذمّ كقوله :﴿قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم﴾ والخلاف الجاري في ﴿بِئْسَمَا﴾ وإعراب ما جاريا هنا وتقدم ذلك مستوفى في قوله :﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِا أَنفُسَهُمْ﴾ في البقرة وعلى أن حكمهما حكم ﴿بِئْسَمَا﴾ فسرها الماتريدي فقال : بئس الحكم حكمهم وأعربها الحوفي وجعل ما موصولة بمعنى الذي قال والتقدير ساء الذي يحكمون حكمهم، فيكون حكمهم رفعاً بالابتداء وما قبله الخبر وحذف لدلالة يحكمون عليه. ويجوز أن يكون ما تمييزاً على مذهب من يجيز ذلك في ﴿بِئْسَمَا﴾ فيكون في موضع نصب التقدير ﴿سَآءَ﴾ حكماً حكمهم ولا يكون ﴿يَحْكُمُونَ﴾ صفة لما لأن الغرض الإبهام ولكن في الكلام حذف بدل ما عليه والتقدير سا ما ﴿مَا يَحْكُمُونَ﴾. وقال ابن عطية : و﴿مَآ﴾ في موضع رفع كأنه قال : ساء الذي يحكمون ولا يتجه عندي أن تجري هنا ﴿سَآءَ﴾ مجرى نعم وبئس لأن المفسر هنا مضمر ولا بد من إظهاره باتفاق من النجاة، وإنما اتجه أن يجري مجرى بئس في قوله :﴿سَآءَ مَثَلا الْقَوْمُ﴾ لأن المفسر ظاهر في الكلام ؛ انتهى. وهذا قول من شدا يسير من العربية ولم يرسخ قدمه فيها بل إذا جرى ساء مجرى نعم وبئس كان حكمها حكمها سواء لا يختلف في شيء البتة من فاعل مضمر أو ظاهر وتمييز، ولا خلاف في جواز حذف المخصوص بالمدح والذمّ والتمييز فيها لدلالة الكلام عليه فقوله : لأن المفسر هنا مضمر ولا بد من إظهاره باتفاق النحاة إلى آخره كلام ساقط ودعواه الاتفاق مع أن الاتفاق على خلاف ما ذكر عجب عجاب.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٠
﴿وَكَذَالِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَـادِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ﴾ أي ومثل تزيين قسمة القربان بين الله وآلهتهم وجعلهم آلهتهم شركاء لله في ذلك. قال الزمخشري : أو مثل ذلك التزيين البليغ الذي علم من الشياطين وقال ابن الأنباري : ويجوز أن يكون ﴿وَكَذالِكَ﴾ مستأنفاً غير مشار به إلى ما قبله فيكون المعنى وهكذا زين ؛ انتهى. و﴿كَثِيرٍ﴾ يراد به من كان من مشركي العرب. قال مجاهد :﴿شُرَكَآؤُهُمْ﴾ شياطينهم أمروهم أن يدفنوا بناتهم أحياء خشية العيلة. وقال الكلبي :﴿شُرَكَآؤُهُمْ﴾ سدنتهم وخزنتهم التي لآلهتهم كانوا يزينون لهم دفن البنات أحياء. وقيل : رؤساؤهم كانوا يقتلون الإناث تكبراً والذكور خوف الفقر. وقال الزمخشري :﴿قَتْلَ أَوْلَـادِهِمْ﴾ بالوأد أو بنحرهم للآلهة، وكان الرجل يحلف في الجاهلية لئن ولد لي كذا غلاماً لينحرن أحدهم كما حلف عبد المطلب. وقرأ الجمهور :﴿زُيِّنَ﴾ مبنياً للفاعل ونصب ﴿قَتْلَ﴾ مضافاً إلى ﴿أَوْلَـادُهُمْ﴾ ورفع ﴿شُرَكَآؤُهُمْ﴾ فاعلاً بزين وإعراب هذه القراءة واضح، وقرأت فرقة منهم السلمي والحسن وأبو عبد الملك قاضي الجند صاحب ابن عامر ﴿زُيِّنَ﴾ مبنياً للمفعول ﴿قَتْلَ﴾ مرفوعاً مضافاً إلى ﴿أَوْلَـادِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ﴾ مرفوعاً على إضمار فعل أي زينه شركاؤهم هكذا خرجه سيبويه، أو فاعلاً بالمصدر أي ﴿قَتْلَ أَوْلَـادِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ﴾ كما تقول : حبب لي ركوب الفرس زيد هكذا خرجه قطرب، فعلى توجيه سيبويه الشركاء مزينون لا قاتلون كما ذلك في القراءة الأولى، وعلى توجيه قطرب الشركاء قاتلون. ومجازه أنهم لما كانوا مزينين القتل جعلوا هم القاتلين وإن لم يكونوا مباشري القتل، وقرأت فرقة كذلك إلا أنهم خفضوا شركائهم وعلى هذا الشركاء هم الموعودون لأنهم شركاء في النسب والمواريث، أو لأنهم قسيموا أنفسهم وأبعاض منها. وقرأ ابن عامر :﴿كَذَالِكَ﴾ إلا أنه نصب ﴿أَوْلَـادُهُمْ﴾ وجر شركائهم فصل بين المصدر المضاف إلى الفاعل بالمفعول وهي مسألة مختلف في جوازها، فجمهور البصريين يمنعونها متقدموهم ومتأخر وهم ولا يجيزون ذلك إلا في ضرورة الشعر، وبعض النحويين أجازها وهو الصحيح لوجودها في هذه القراءة المتواترة المنسوبة إلى العربي الصريح المحض ابن عامر الآخذ القرآن عن عثمان بن عفان قبل أن يظهر اللحن في لسان العرب، ولوجودها أيضاً في لسان العرب في عذة أبيات قد ذكرناها في كتاب منهج السالك من تأليفنا ولا التفات إلى قول ابن عطية وهذه قراءة ضعيفة في استعمال العرب، وذلك أنه أضاف الفعل إلى الفاعل وهو لشركاء ثم فصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول ورؤساء العربية لا يجيزون الفصل بالظروف في مثل هذا إلا في الشعر كقوله :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٠
كما خط الكتاب بكف يومايهودي يقارب أو يزيل


الصفحة التالية
Icon