وبلغ ثمنها مائتي درهم، وقاله الأوزاعي في ثمن الفواكه. وأما مقدار ما يجب فيه الزكاة فقال أبو حنيفة : في قليل ما تخرجه الأرض وكثيره. وقال مالك والليث وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد والشافعي : لا يخرج حتى يبلغ خمسة أوسق إذا كان مكيلاً فإن كان غير مكيل، فعن أبي يوسف ومحمد : اختلاف فيما يعتبر وذكروا هنا فروعاً قالوا : لا زكاة عند أصحاب مالك في الجوز واللوز والحلوز وما أشبهها وإن كان مدّخراً، كما لا زكاة عندهم في الإجاص والتفاح والكمثري والمشمش ونحوه مما ييبس ولا يدخر، وعدّ مالك التين في الفواكه. وقال ابن حبيب : فيه الزكاة وإليه ذهب جماعة من أتباع مالك إسماعيل بن إسحاق وأبو بكر الأبهري وغيرهم. وقال مالك : لا زكاة في الزيتون. وقال هو والشافعي ولا في الرمان. وقال الزهري والأوزاعي والثوري والليث : تجب الزكاة في الزيتون. وعن مالك لا يخرص الزيتون ولكن يؤخذ العشر من زيته إذا بلغ مكيله خمسة أوسق. وأبو حنيفة في هذه كلها على أصله وما خصصوه به من عموم الآية يحتاج إلى دليل، والأدلة مذكورة في كتب الفقهاء. والظاهر أن ﴿يَوْمَ حَصَادِهِا﴾ معمول لقوله :﴿وَأْتُوا ﴾ والمعنى واقصدوا الإيتاء واهتموا به وقت الحصاد فلا يؤخر عن وقت إمكان الإيتاء فيه. ويجوز أن يكون معمولاً لقوله :﴿حَقَّهُ﴾ أي ﴿وَأْتُوا ﴾ ما استحق ﴿يَوْمَ حَصَادِهِا﴾ فيكون الاستحقاق بإيتاء يوم الحصاد والأداء بعد التصفية ولذلك قال بعضهم في الكلام : محذوف تقديره ﴿وَهُوَ الَّذِى أَنشَأَ جَنَّـاتٍ﴾ إلى تصفيته قال : فيكون الحصاد سبباً للوجوب الموسع والتصفية سبب للأداء، والظاهر وجوب إخراج الحق منه كله ما أكل صاحبه وأهله منه وما تركوه وبه قال أبو حنيفة ومالك. وقال جماعة : لا يدخل ما أكل هو وأهله منه في الحق، والظاهر أنه أمر بأن يؤتى ﴿حَقَّه يَوْمَ حَصَادِهِا﴾ فلا يخرص عليه. قال النخعي : الخرص اليوم بدعة. وقال الثوري : الخرص غير مستعمل ولا يجوز بحال وإنما على رب الحائط أن يؤدّي عشر ما يصل في يده للمساكين إذا بلغ خمسة أوسق. وقرأ العربيان وعاصم : حصاده بفتح الحاء. وقرأ باقي السبعة بكسرها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٤
﴿وَلا تُسْرِفُوا إِنَّه لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ لما أمر تعالى بالأكل من ثماره وبإيتاء حقه، نهى عن مجاوزة الحد فقال :﴿وَلا تُسْرِفُوا ﴾ وهذا النهي يتضمن إفراد الإسراف فيدخل فيه الإسراف في أكل الثمرة حتى لا يبقى منها شيء للزكاة، والإسراف في الصدقة بها حتى لا يبقى لنفسه ولا لعياله شيئاً وقيده أبو العالية وابن جريج بالصدقة بجميع المال فيبقى هو وعياله كلاًّ على الناس. وقال ابن جريج : أيضاً : هو نهي في الأكل فيأكل حتى لا يبقى ما تجب فيه. وقال الزهري : هو نهي عن النفقة في المعصية. وقيل : في صرف الصدقة إلى غير الجهة التي افترضت، كما صرف المشركون إلى جهة أصنامهم. وقيل : نهي للعاملين على الصدقة عن أخذ الزائد. وروي عن ابن عباس أن ثابت بن قيس بن شماس جذ خمسمائة نخلة وقسمها في يوم واحد ولم يترك لأهله شيئاً فنزلت ﴿وَلا تُسْرِفُوا ﴾ أي لا تعطوا كله، وعن ابن جريج جذ معاذ بن جبل فلم يزل يتصدق حتى لم يبق منها شيئاً فنزلت ﴿تُسْرِفُوا إِنَّه لا﴾. وقال أبو العالية : كانوا يعطون شيئاً عند الجذاذ فتماروا فيه فأسرفوا فنزلت. وقال مجاهد : لو كان أبو قبيس لرجل ذهباً فأنفقه في طاعة الله لم يكن مسرفاً ولو أنفق درهماً واحداً في معصية الله كان مسرفاً. وقال إياس بن معاوية : كل ما جاوزت فيه أمر الله فهو سرف.
﴿وَمِنَ الانْعَـامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا ﴾ هذا معطوف على ﴿جَنَّـاتُ﴾ أي وأنشأ ﴿وَمِنَ الانْعَـامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا ﴾ وهل الحمولة ما قاله ابن عباس ما حمل عليه من الإبل والبقر والخيل والبغال والحمير والفرش الغنم ؟ أو ما قاله أيضاً ما انتفع به من ظهورها والفرش الراعية ؟ أو ما قاله ابن مسعود والحسن ومجاهد وابن قتيبة : ما حمل من الإبل والفرش صغارها ؟
٢٣٨
أو ما قاله الحسن أيضاً : الإبل والفرش الغنم ؟ أو ما قاله ابن زيد : ما يركب والفرش ما يؤكل لحمه ويجلب من الغنم والفصلان والعجاجيل ؟ أو ما قاله الماتريدي : مراكب النساء والفرش ما يكون للنساء أو ما قاله أيضاً : كل شيء من الحيوان وغيره يقال له فرش ؟ تقول العرب : أفرشه الله كذا أي جعله له أو ما قاله بعضهم : ما كان معدّاً للحمل من الحيوانات، والفرش : ما خلق لهم من أصوافها وجلودها التي يفترشونها ويجلسون عليها، أو ما يحمل الأثقال. والفرش : ما يفرش للذبح أو ينسج من وبره وصوفه وشعره للفرش. أو ما قاله الضحاك : واختاره النحاس الإبل والبقر والفرش الغنم ورجح هذا بإبدال ثمانية أزواج منه عشرة أقوال، وقدّم الحمولة على الفرش لأنها أعظم في الانتفاع إذ ينتفع بها في الحمل والأكل.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٤