﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَـانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُارِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَـاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـاذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَـالِدِينَ﴾ أي فعل الوسوسة لأجلهما وأما قوله ﴿فَوَسْوَسَ﴾ إليه فمعناه ألقى الوسوسة إليه، قال الحسن : وصلت وسوسته لهما في الجنة وهو في الأرض بالقوة التي خلقها الله له، قال ابن عطية : وهذا قول ضعيف يردّه لفظ القرآن، وقيل : كان في السماء وكانا يخرجان إليه، وقيل : من باب الجنة وهما بها، وقيل : كان يدخل إليهما في فم الحية، وقال الكرماني : ألهمهما، وقال ابن القشيري : أورد عليهما الخواطر المزيّنة وهذان القولان يخالفان ظاهر القرآن لأن ظاهره يدلّ على قول ومحاورة وقسم والظاهر أنّ اللام لام كي قصد إبداء سوءاتهما وتنحطّ مرتبتهما بذلك ويسوءهما بكشف ما ينبغي ستره ولا يجتنبان نهى الله فيكونن هو وهما سواء في المخالفة هو أمر بالسجود فأبى، وهما نهيا فلم ينتهيا، وقال قوم : إنها لام الصيرورة لأنه لم يكن له علم بهذه العقوبة المخصوصة فيقصدها، قال الزمخشري : وفيه دليل على أنّ كشف العورة من عظائم الأمور وأنه لم يزل مستهجناً في الطّباع مستقبحاً في العقول انتهى، وهو على مذهبه الاعتزالي في أنّ العقل يقبح ويحسن، والظاهر أنه يراد مدلول سوآتهما نفسهما وهما الفرْج والدّبر
٢٧٨
قيل : وكانا لا يريانهما قبل أكل الشجرة فلما أكلا بدتا لهما، وقيل : لم يكن كل واحد يرى سوأة صاحبه، وقال قتادة كنى سوءاتهما عن جميع بدنهما وذكر السوأة لأنها أقبح ما يظهر من بني آدم، وقرأ الجمهور ﴿وُارِيَ﴾، وقرأ عبد الله أوري بإبدال الواو همزة وهو بدل جائز، وقرأ ابن وثاب ما وري بواو مضمومة من غير واو بعدها على وزن كسى، وقرأ مجاهد والحسن من سوّتهما بالإفراد وتسهيل الهمزة بإبدالها واواً وإدغام الواو فيها، وقرأ الحسن أيضاً وأبو جعفر بن القعقاع وشيبة بن نصّاح من سوّاتهما بتسيهل الهمزة وتشديد الواو، وقرىء من سواتهما بواو واحدة وحذف الهمزة ووجهه أنه حذفها وألقى حركتها على الواو فمن قرأ بالجمع فهو من وضع الجمع موضع التثنية كراهة اجتماع مثلين ومن قرأ بالإفراد فمن وضعه موضع التثنية ويحتمل أن يكون الجمع على أصل وضعه باعتبار أنّ كل عورة هي الدّبر والفرْج وذلك أربعة : فهي جمع وإلا أن تكونا ملكين استثناء مفرّغ من المفعول من أجله أي ما نهاكما ربّكما لشيء إلا كراهة أن تكونا ملكين ويقدره الكوفيّون إلا أن تكونا وإضمار الاسم وهو كراهة أحسن من إضمار الحرف وهو لا، وقال الزمخشري : وفيه دليل على أنّ الملائكة بالمنظر الأعلى وأن البشريّة تلمح مرتبتها انتهى. وقال ابن فورك : لا حجة في هذه الآية على أنّ الملائكة أفضل من البشر لأنه يحتمل أن يريد ملكين في أن لا يكون لهما شهوة في طعام انتهى، وقرأ ابن عباس والحسن بن علي والضحّاك ويحيى بن كثير والزهري وابن حكيم عن ابن كثير ملكين بكسر اللام، ويدلّ لهذه القراءة
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٤
﴿هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى ﴾ ومن الخالدين من الذين لا يموتون ويبقون في الجنة ساكنين.
﴿وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّـاصِحِينَ﴾ لم يكتف إبليس بالوسوسة وهو الإلقاء في خفية سرًّا ولا بالقول حتى أقسم على أنه ناصح لهما والمقاسمة مفاعلة تقتضي المشاركة في الفعل فتقسم لصاحبك ويقسم لك تقول قاسمت فلاناً خالفته وتقاسما تحالفاً وأما هنا فمعنى وقاسمهما أقسم لهما لأنّ اليمين لم يشاركاه فيها. وهو كقول الشاعر :
وقاسمهما بالله جهداً لأنتمألذّ من السّلوى إذا ما نشورها


الصفحة التالية
Icon